الضرب على أيديهم ابتغاء رجوعهم إلى الوثنية - وعلى ذلك فلم يكن قصدهم اضطهاد المسيحيين - بل ردهم إلى الطاعة والخضوع للقوانين العامة، وإن كان بعضهم قد أسرفوا في قتلهم وتعذيبهم إسرافا شنيعا جر عليهم سخطهم وكراهيتهم كما أسرف بعض الأباطرة المسيحيين في اضطهاد الوثنيين حين أصبحت المسيحية دينا رسميا للإمبراطورية.
ومن الصعب الجزم تعدد من قتلوا في مصر في عهد دقلديانوس، إلا أنه من المؤكد أن عددهم كان عظيما، وأن الاضطهاد تناول جميع الطبقات. وقد بدأ الاضطهاد بالبلاد المصر سنة 301 م.
وأظهر فيه دقلديانوس قسوة لا مثيل لها جرت عليه كراهة المصريين وحنقهم، حتى ظلوا يرون فيه إلى اليوم مثالا للظلم والاستبداد، وصاروا يؤرخون حوادثهم من سنة اعتلائه العرش (284 ق. م) ويسمى هذا التاريخ عندهم (تاريخ الشهداء) كما معروف.
ولما جاء (قسطنطين) (313 - 337 م) اعتنق المسيحية سنة اعتلائه العرش، فأصبحت المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية، ولكن المسيحيين في مصر ما كادوا يخلصون من اضطهاد الحكومة حتى وقعوا في اختلافات مذهبية دينية لم يصلوا بعد إلى التوفيق بين بعضها وبعض. وكان النزاع الذي قام بين (أثناسيوس) و (أريوس) على كنه العلاقة التي يمكن أن تكون بين الله وبين عيسى، أو بين الأب والابن، فوق ماله من الأهمية الدينية سببا لنتائج سياسية غيرت وجه تاريخ الديار المصرية تغييرا كليا. فإن العلاقات بين الإمبراطور والشعب الإسكندري لم تكن سلمية يوما من الأيام فإن هذا الشعب قد ساعد (مكسيمينوس) و (لسينوس) خصميه اللدودين، وربما كان هذا الحادث الذي دعا الإمبراطور إلى جعل عاصمته مدينة بيزنطية، ولم يكد (تيودوسيس) (378 395) يقبض على زمام الأحكام حتى أصدر سنة