قبله؟) فبايعته، فما كان أحد أجل في عيني من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو سئلت أن أنعته ما طقت، لأني لم أكن أطيق أن أملا عيني منه إجلالا له، فلو مت على تلك الطبقة لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم ولينا أشياء بعد فلست أدري ما حالي فيها) وقال لبنيه: (إن أنا مت فلا تتبعني نائحة. فإذا دفنتموني في قبري فسنوا علي التراب سنا (1) فليس جنبي الأيمن أولى بالتراب من الأيسر، ولا تجعلوا في قبري خشبة ولا حجرا، فإذا فرغتم من دفني فأقيموا عند قبري قدر ما ينحر جزور، ويقسم لحمها. فأني أستأنس بكم حتى أعلم ماذا أراجع به رسل ربي) ثم قال لبنيه: (يا بني ما تغنون عني من أمر الله شيئا) قالوا: (يا أبت إنه الموت ولو كان غيره لو قيناك بأنفسنا) فقال: (أسندوني) ثم قال وقد استقبل القبلة: (اللهم إنك أمرتنا فعصينا ونهيتنا فارتكبنا، وهذا مقام العائذ بك فإن تعف فأنت أهل للعفو، وإن تعاقب فيما قدمت يداي، اللهم لا قوي فأنتصر، ولا برئ فأعتذر، ولا مستكبر بل مستغفر أستغفرك وأتوب إليك، ولكن لا إله إلا الله، فما زال يقولها حتى مات في يوم الفطر من سنة 43 للهجرة (2).
وهذا يدل على أن عمرا كان يعلم أنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لم يتخذ الدين وحده غاية لحياته السياسية، وإنما كانت له أهواء وأغراض أثرت فيه وأحس ساعة الموت ندمه فاستغفر منها وتاب.
روي في كتاب (حياة الحيوان الكبرى - باب وعل) أن عمرو بن العاص لما حضرته الوفاة قال له ابنه (يا أبتاه إنك كنت تقول لنا، ليتني كنت ألقى رجلا عاقلا لبيبا عند نزول الموت به حتى يصف لي ما يجد، وأنت ذلك الرجل فصف لي الموت). فقال: (يا بني، والله كأن السماء قد