كان قرشيا وكان ميل إلى خلافة هاشمية قليلا جدا، ولأنه رأى أن القوة التي على رأسها عائشة وطلحة والزبير كانت من الضعف بحيث لا تقوى على أن تغلب علي بن أبي طالب على أمره، أو تفوز بإرجاع الحال إلى ما كانت عليه في عهد أبي بكر، وقد ظهر له بعد قليل أن هذا الحزب قد انهزم، فقتل طلحة والزبير وأسرت عائشة.
وهنا غير عمرو بن العاص سياسته دفعة واحدة، وأصبح في حزب عثمان، لأنه كان كما لا يخفى من أشد الناس دهاء، وكان لا يعمل عملا إلا إذا تأكد من نجاحه، يدلك على ذلك أنه لم يسلم إلا بعد أن ظهر له ظهورا بينا أن محمدا صلى الله عليه وسلم سوف ينتصر، وما كان ذهابه إلى الحبشة إلا ليرى ما يكون من أمر محمد وقريش: فإن كانت الغلبة لقريش كان على أولى أمره مع الرسول الله، ولم قد خذل قريشا بالقعود عن نصرتها، ولكنه أسلم ودخل في الإسلام لما رأى أن أمر النبي عليه السلام ظاهر على قريش لا محالة: كذلك كان حاله في هذا الظرف، فتبين له بثاقب رأيه وبعد نظره أن هذه الثورة لن تنتهي إلا بحدوث انقلاب في حالة الأمة العربية، ولم يكن عمرو بالرجل الساكن الذي يلتزم الحيدة في مثل ذلك الظروف، بل لا بد من دخوله في هذه الاضطرابات، وأن يكون له ضلع فيها، عسى أن يناله من وراء ذلك ما كان يؤمل منذ زمن طويل، لأنه كان طموحا إلى العلا.
انتظر عمرو يرقب الأمور على بعد، فرأى أن معاوية بن أبي سفيان لم يكن ليستكين لما يريد به علي، ولا يستخذى لما يتوقع أن يحيق به من مكروه، وكان على ذكر من قديم الأحقاد بين البيتين، ولم ينس معاوية أن عليا قاتل أخيه ومقارع أبيه في مواطن كثيرة أيام الجاهلية، وهو قريب عثمان: فاستعان عمرا وتعاقدا على النصح والنصرة، ومعلوم أن المصائب تؤلف بين المصابين والمطامع تؤلف بين الطامعين، وكان ذلك ما يتمناه عمرو. فأنتج لهما الدهاء أن يطوقا عليا