خضع عمرو لما أمره به أمير المؤمنين وقاسمه ابن مسلمة ماله، وكفى نفسه مؤونة الغلظة (وأعفه من الغلظة عليك) وهو كما لا يخفى من أشراف العرب، ومن أهل الشرف والرياسة، ومن ذوي الرأي فيهم.
ولكن أبى عليه عمر أن يترفه في معيشته، كما كان أبوه العاص من قبله، وقد كان يلبس الخز بكفاف الديباج، لهذا لا نعجب إذا أثرت هذه الكلمات في نفس عمرو تأثيرا كبيرا حتى قال: (إن زمانا عاملنا فيه ابن حنتمة هذه المعاملة لزمان سوء لقد كان العاص يلبس الخز بكفاف الديباج) فقال محمد: (مه لو لازمان ابن حنتمة هذا الذي تكرهه ألفيت معتقلا عنزا بفناء بيتك يسرك غزرها ويسوءك بكاؤها) قال عمرو:
(نشدك الله لا تخبر عمر بقولي، فإن المجالس بالأمانة) فقال محمد:
(لا أذكر شيئا مما جرى بيننا وعمر حي).
وهذه القصة أوضح الأشياء دلالة على ما استحدث عمر في الإسلام من الأعمال، هي تدلنا على أنه استحدث مراقبة العمال ومحاسبتهم محاسبة فعلية، وندب من يقوم ذلك من ثقاته. ومثل هذا كان معروفا قبل الإسلام عند الرومان.
هكذا عامل عمر عمرو بن العاص، ذلك السياسي المحنك، والقائد العظيم الذي دوخ الروم في فلسطين ومصر، إلا أن عمر لم يعبأ بكل هذه المزايا. بل أجرى الحق مجراه، خوفا أن يقتدي به بقية العمال وتسوء الحالة والإسلام في غضاضته.