تاريخ عمرو بن العاص - دكتر حسن إبراهيم حسن - الصفحة ١٥٧
للرومي فأعانه الله عليه فقتله! فوفي لهم الروم بما عاهدوهم عليه فخرجوا ولا يدري الروم أن عمرا فيهم حتى بلغهم ذلك فأسفوا كل الأسف على ما فاتهم (1) بتصرف.
هكذا ذكر ابن عبد الحكم والمقريزي، ونحن نشك في صحة هذه الحادثة، بل نقول إنه يستحيل أن تكون صحيحة، وإنما هي أساطير نشأت بعد الفتح تمجيدا للفاتحين وقائدهم ظل عمرو على حصار الإسكندرية أربعة عشر شهرا (2) فأقلق هذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وساورته الريب في سبب هذا الإبطاء، فبعث لعمرو بن العاص كتابا يلومه فيه ويأمره أن يقرأه على المسلمين ليستنهض بذلك هممهم، ويحضهم على القتال، ويرغبهم في الصبر، وأن يكونوا يدا واحدة وقلبا واحدا. فقرأ عمرو الكتاب، وعقد العبادة ابن الصامت وولاه قتال الروم، ففتح الله عليه يديه الإسكندرية وهزم الروم برا وبحرا.

1 - وقد ذكر (أيرفنج) أن عمرو بن العاص لما وقع أسيرا في الإسكندرية وقف بين يدي حاكمها فنسي عمرو الحالة التي كان فيها وتكلم كلاما يدل على الشجاعة وسمو المركز، فاشتبه فيه الحاكم وأمر بقتله وكان وردان بجانبه فصفعه على وجنته وقال له: صه أيها الكلب لا تتكلم أمام رؤسائك، وهم مسلمة بالكلام وقال للحاكم: أن الخليفة بعث لعمرو بن العاص يأمره بالكف عن الحصار ومصالحة الروم، وطلب من الحاكم أن يتوسط بينه وبين عمرو فخلى سبيله.
2 - روى الكندي (ص 9) أن الحصار دام ثلاثة أشهر، وعن الليث أنه دام ستة أشهر، وقال المقريزي (ج 1 ص 165) وابن عبد الحكم (ص 72) والسيوطي (ج 1 ص 53) وجبون (م 9 ص 272) وإيرفنج (ص 111) أن حصار المسلمين دام أربعة عشر شهرا. وقال البلاذري (ص 288) إنه دام ثلاثة أشهر. ونحن نرجح أن الحصار دام أربعة عشر شهرا، لأنه لا يعقل أن يظل حصار المسلمين لهذه المدينة ذات الحصون المنيعة والمؤن الوفيرة والمواصلات مع الخارج ثلاثة أشهر أو ستة، مع أن المؤرخين أجمعوا أن قتال الروم بالإسكندرية كان أشد قتال.
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»
الفهرست