قال (جبون ج 9 ص 271): إن نفوس الأهلين كانت تتوق لهلاك هؤلاء الظالمين وطردهم من بلادهم، فلم يألوا جهدا في مديد المعونة إلى عمرو، مادية كانت تلك المعونة أو عسكرية. وقد لاحظ البطريرق (أوتيخوس) أن شجاعة العرب في القتال كانت كشجاعة الأسود، (ورد هذا الوصف في تاريخ ابن عبد الحكم) فردوا هجمات الروم المتواصلة وكانوا يقابلون هذه الهجمات بالمثل، فيحملون على أسوار المدينة وأبراجها. وفي كل هذه الحملات كنت ترى سيف عمرو ولواءه يتلألأن في مقدمة المسلمين. أه.
بلغ القتال ذات يوم أشده بين الفريقين حتى اقتحم المسلمون الحصن وقاتلوا الروم فيه إلا أن هؤلاء حملوا عليهم (على المسلمين) حملة منكرة فأخرجوهم من الحصن إلا أربعة بينهم عمرو بن العاص ومسلمة بن مخلد، فالتجأوا إلى ديماس من حماماتهم فدخلوا فيه فأمر الروم رجلا منهم يكلمهم بالعربية فقال لهم: قد صرتم بأيدينا أسرى فاستأسروا ولا تقتلوا أنفسكم، فامتنعوا عليهم ثم قال لهم: إن في أيدي أصحابكم منا رجالا أسروهم ونحن نعطيكم العهود نفادي بكم أصحابنا ولا نقتلكم، فأبوا عليهم، فلما رأى الرومي ذلك منهم قال لهم: هل لكم إلى خصلة وهي نصف، إن غلب صاحبنا صاحبكم استأسرتم لنا وأمكنتمونا من أنفسكم، وإن غلب صاحبكم صاحبنا خلينا سبيلكم إلى أصحابكم.
فرضوا بذلك وتعاهدوا عليه وتداعو إلى البراز، فبرز رجل من الروم وقد وثقوا بنجدته وشدته، وأراد عمرو أن يبرز فمنعه مسلمة وقال ما هذا؟ تخطئ مرتين، بشذ من أصحابك وأنت أمير، وإنما قوامهم بك، وقلوبهم معلقة نحوك لا يدرون ما أمرك حتى تبارز وتتعرض للقتل؟ فإن قتلت كان ذلك بلاء على أصحابك، مكانك وأنا أكفيك إن شاء الله. فقال عمرو: دونك فربما فرجها الله بك. فبرز مسلمة