وصحح ابن دحية أنهما قضيتان وقعتا لامرأتين وهو واضح من اختلاف السياق وصحح أن بركة أم يوسف غير بركة أم أيمن، وهو الذي ذهب إليه شيخ الاسلام البلقيني كما دل عليه كلامه في (التدريب).
وروى الطبراني والبيهقي بسند صححه الشيخ عن حكيمة بنت أميمة عن أمها قالت:
كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت سريره، فقام فطلبه فسأل عنه فقال: أين القدح؟ فقالوا: شربته بره خادم أم سلمة التي قدمت معها من أرض الحبشة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لقد احتظرت من النار بحظار).
وموضوع الدلالة من هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على ابن الزبير ولا أم أيمن ولا من فعل مثل فعلها، ولا أمرهم بغسل الفم، ولا نهاهم عن العود إلى مثله، ومن حمل ذلك على التداوي، قيل له قد أخبر صلى الله عليه وسلم: (ان الله يجعل شفاء أمته فيما حرم عليها) رواه ابن حبان في صحيحه فلا يصح حمل الأحاديث على ذلك بل هي ظاهرة في الطهارة.
الثالثة عشر: وبأن من زنا بحضرته واستهان به كفر.
قال الرافعي:
والدليل على ذلك قوله تعالى: (انا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا) (الفتح / 8، 9) قال المفسرون معنى تعزروه أي تعظموه وتفخموه فالضمير عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فالوقف تام بقوله تسبحوه أي تسبحوا الله تعالى بكرة وأصيلا فيكون معنى الكلام راجعا إلى الله - عز وجل - وهو وسبحوه من غير خلاف ويكون بعض الكلام راجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو التوقير والتعظيم وهو من باب اللف والنشر المشوش.
فكما ان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل إلى الخلق كافة ليأمرهم بالايمان، كذلك هو مرسل إليهم ليأمرهم بنصرته وتوقيره فمن خالف موجب ذلك كفر.
تنبيه:
قال النووي - رحمه الله تعالى - وفي مسألة المزني نظر.
قال - الجلال البلقيني: مراده بذلك أن لا يكون الزاني قاصدا للاستهانة فمن قصد الاستهانة فالحق أنه لا نظر في ذلك، لأنه لا يتضمن استهانة له في ذلك ولا نظر إلى الزاني الخالي عن قصد (لعدم النية من الشخص: وفي هذا نظر).
فالفعل نفسه استهانة فلا حاجة إلى القصد معه وان لم يكن قاصدا لها، لان ترك الاستحياء من الشخص استهانة له، فلا حاجة إلى القصد معه.