إبليس أن يظهر بصورة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن إبليس اللعين قد تراءى لكثيرين وخاطبهم بأنه الحق طلبا لاضلالهم، وقد أضل جماعة بمثل هذا - حتى ظنوا أنهم رأوا الحق وسمعوا خطابه.
فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن كل عاقل يعلم أن الحق - سبحانه وتعالى - ليست له صورة معينة توجب الاشتباه بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ذو صورة معينة معلومة مشهورة.
والثاني: أن مقتضى حكم الله تعالى أنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فإنه متصف بصفة الهداية، وظاهر بصورتها فوجب عصمة صورة النبي صلى الله عليه وسلم من أن يظهر بها شيطان لبقاء الاعتماد، وظهور حكم الهداية فيمن شاء الله هداية به صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو بكر بن الطيب: المراد بقوله: (من رآني في المنام فقد رآني) أن رؤياه صحيحة، لا تكون أضغاثا، ولا تكون من تشبيهات الشيطان قال: ويعضده قوله في بعض طرقه (فقد رأى الحق) وفي قوله: (فان الشيطان لا يتمثل بي) إشارة إلى أن رؤياه لا تكون أضغاثا.
وقال القاضي عياض: يحتمل ان يكون معنى الحديث إذا رآه على الصفة التي كان عليها في حياته لا على صفة مضادة لحاله فان رآه على غيرها كانت تأويلا لا رؤيا حقيقية، فان من الرؤيا ما يخرج على وجهه ومنها ما يحتاج إلى تأويل.
قال النووي: وهذا الذي قاله ضعيف، بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها كنا ذكره المازري قال الحافظ: وهذا الذي رده النووي روي عن ابن سيرين أمام المعبرين اعتباره فقد روى: إسماعيل بن إسحاق بسند صحيح عن أيوب قال: كان محمد - يعني - ابن سيرين إذا قص رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال: صف الذي رأيته فان وصف له صبغة لم يعرفها قال لم تره والذي قاله القاضي توسط حسن ويمكن الجمع بينه وبين ما قاله المازري، بأن تكون رؤياه على الحالين حقيقة لكن إذا كان على صورته كأن يرى في المنام على ظاهره لا يحتاج إلى تعبير، وإن كان على غير صورته كان النقص من جهة الرأي لتخيله الصفة على غير ما هي عليه ويحتاج ما يراه في ذلك المنام إلى التعبير وعلى ذلك جرى علماء التعبير فقالوا: إذا قال الجاهل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يسأل عن صفته فان وافق الصفة المرئية والا فلا يقبل منه.
قال الحافظ: وذهب الشيخ ابن أبي جمرة إلى ما اختاره النووي فقال بعد أن حكى الخلاف، ومنهم من قال إن الشيطان لا يتصور على صورته أصلا فمن رآه في صورة حسنة فذلك حسن، في دين الرائي، وإن كان في جارحة من جوارحه شين أو نقص، فذلك خلل في الرائي من الدين، قال: وهذا هو الحق وقد جرب ذلك فوجد على هذا الأسلوب وبه تحصل الفائدة الكبرى في رؤياه حتى يتبين للرائي هل عنده خلل أولا لأنه صلى الله عليه وسلم نوراني مثل المرآة