ولئن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر ولا ظفر إلا هلك.
فقال له صاحباه: فما الرأي يا أبا مريم؟ فقال: رأيي أن أحكمه، فإني أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا. فقالا له: أنت وذاك.
قال فتلقى شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك. فقال: " وما هو؟ " فقال: حكمك اليوم إلى الليل. وليلتك إلى الصباح، فمهما حكمت فينا فهو جائز.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعل وراءك أحدا يثرب (1) عليك؟ " فقال شرحبيل: سل صاحبي، فقالا: ما يرد الوادي ولا يصدر إلا عن رأى شرحبيل.
فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يلاعنهم، حتى إذا كان الغد أتوه فكتب لهم هذا الكتاب: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما كتب محمد النبي [الأمي (2)] رسول الله لنجران، أن كان عليهم حكمه في كل ثمرة وكل صفراء وبيضاء ورقيق، فأفضل عليهم وترك ذلك كله على ألفي حلة، في كل رجب ألف حلة، وفى كل صفر ألف حلة " وذكر تمام الشروط. إلى أن قال: شهد أبو سفيان بن حرب وغيلان بن عمرو ومالك بن عوف من بني نصر والأقرع بن حابس الحنظلي والمغيرة، وكتب.
حتى إذا قبضوا كتابهم انصرفوا إلى نجران ومع الأسقف أخ له من أمه وهو ابن عمه من النسب يقال له بشر بن معاوية وكنيته أبو علقمة، فدفع الوفد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأسقف، فبينما هو يقرأه وأبو علقمة معه وهما يسيران