واذكر شيئا من تأويلهم الذي استحقوا به العقاب والعذاب، وخالفوا فيه السنة والكتاب، فإنهم عمدوا إلى آيات نزلت في الكفار، فصرفوها عن محل مدلولها وحملوها على المؤمنين فان أئمة التفسير وعلماء الاسلام أجمعوا على أن قوله تعالى (ألم تر إلى الذين أو توا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) انها نزلت في اليهود وهي مختصة بهم، وذكروا في سبب نزولها وجوها فقيل: لما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله اليهود إلى الاسلام قالوا: هلم نخاصمك إلى الأحبار، فقال: بل إلى كتاب الله فأبوا، وقيل: بل لما دعا هم إلى الاسلام، قال له بعضهم على أي دين أنت؟
فقال: على دين إبراهيم فقالوا: إن إبراهيم كان يهوديا، فقال: هلموا بالتوراة فهي بيني وبينكم فأبوا وقيل: بل لما أنكروا ان يكون رجم الزاني في التوراة قال: هلموا بالتوراة فهي بيني وبينكم فأبوا، فأنزل الله هذه الآية هكذا ذكر الواحدي في كتابه أسباب النزول.
فقد اتفق الجمع انها اختصت باليهود، فجعلها الخوارج في المسلمين وأقاموها عمدة لهم ومرجعا في أتباع ضلالتهم واحتجوا بها في خروجهم من الطاعة المفروضة عليهم اللازمة لهم.
فإذا علمت حقيقة المقاتلة على التنزيل والمقاتلة على التأويل، بان لك ان بين النبي صلى الله عليه وآله وبين علي عليه السلام رابطة الاتصال والاخوة والعلاقة، وانه ليس لغيره ذلك كما وردت به النصوص المتقدمة من قوله صلى الله عليه وآله: علي مني وأنا من علي، وقوله: أنت مني وأنا منك، وقوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى. فهذه النصوص مشيرة إلى خصوصية بينهما، فاقتضت تلك الخصوصية انه أعلمه انه يبلى بمقاتلة الخارجين كما بلي صلى الله عليه وآله بمقاتلة الكافرين وانه يلقى في أيام إمامته من الشدائد كما لقي صلى الله عليه وآله في أيام نبوته.