(ثم كانت غزوة تبوك) فأمر الله رسوله بالخروج إليها بنفسه وان يستنفر الناس للخروج إليها وأخبره أنه لا يحتاج فيها إلى حرب، ولا يمنى فيها بقتال عدو، وان الأمور تنقاد له بغير سيف، ويعبده بامتحان أصحابه بالخروج معه، واختبارهم ليتميزوا بذلك وكان الحر قويا وقد أينعت ثمارهم فأبطأ أكثرهم عن طاعته رغبة في العاجل، وحرصا على المعيشة وإصلاحها، وخوفا من القيظ وبعد المسافة ولقاء العدو ونهض بعضهم على استثقال النهوض، وتخلف آخرون، واستخلف علي عليه السلام في أهله وولده وأزواجه ومهاجريه، وقال: يا علي إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك لأنه خاف عليها في غيبته ممن عساه يطمع فيها من مفسدي العرب، فاستظهر لها باستخلافه فيها، وان المنافقين لما علموا باستخلافه عليا حسدوه وعظم عليهم مقامه بعد رسول الله، وعلموا انه لم يغب إذا حضرها، وأنه لا مطمع للعدو فيها بوجوده، وغبطوه على الرفاهية والدعة، وتكلف من خرج منهم المشاق، فأرجفوا أنه لم يخلفه إكراما له ولا إجلالا، وإنما خلفه استثقالا لمكانه ورغبة في بعده، فبهتوه بهذا الارجاف كما قيل عن النبي صلى الله عليه وآله انه ساحر وانه شاعر وإنما يعلمه بشر، وهم يعلمون أنهم يكذبون عليه، وانه على خلاف ما يقولون، فإنه كان أحب الناس إليه وأقربهم من قلبه.
فلما سمع عليه السلام أراد إظهار كذبهم وفضيحتهم، فلحق بالنبي صلى الله عليه وآله وقال: يا رسول الله إن المنافقين زعموا أنك إنما خلفتني استثقالا ومقتا، فقال: ارجع يا أخي إلى مكانك فان المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، فأنت خليفتي في أهلي ودار هجرتي وقومي، أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون