وأصالحك على ما تريد.
قال: فصالحه عياض على عشرين ألف دينار عاجلة، وعلى أنه وضع على كل محتلم منهم في كل سنة أربعة دنانير، (1) وكلما أدرك منهم غلام يلحق بالجزية، وعليهم بعد ذلك العشر في مواشيهم، وعليهم الضيافة للمسلمين إذا نزلوا بهم ثلاثة أيام، فما كان بعد ذلك فلا يؤخذ منهم شئ إلا بثمنه. قال: فرضى بذلك بنطس بطريق الرقة بما صالحه عليه، وأشهد عليه المسلمين وختمه بخاتمه ودفعه إليه (2).
ثم قال لبنطس: أسألك عن شئ فخبرني! قال بنطس: وما ذاك أيها الأمير؟
فقال: رأيتك سألتني عن اسمي وأخبرتك، ثم استخبرتني عن اسم أبي فأخبرتك، فالتفت إلى أصحابك وتبسمت. فلماذا كان ذلك؟ قال بنطس: إن الصدق لا يعدله شئ، والكذب عندنا أقبح الأشياء، أيها الأمير! إني أنا بطريق هذه المدينة وابن بطارقتها، وكذلك آبائي وأجدادي ما زالوا يتوارثون بطرقة هذه المدينة في الزمن القديم، غير أن الفرس قد كانوا تغلبوا علينا وقهرونا وتولوا علينا في مدينتنا هذه، وقد كان غضب علينا هرقل ملك الروم فأرسل إلينا القبط، فنزلوا علينا وآذونا غاية الأذى، وقد كنا على يقين أن ملكنا يعود إلينا للذي أصبناه في كتبنا أن مدينتنا هذه لا يغلب عليها أحد ولا يعطون لاحد الطاعة إلا لرجل عربي يقال له غنم أو ابن غنم، فلما سألتك عن اسمك وخبرتني به ظننت أنك صاحبنا فأشرت إلى أصحابي وخبرتهم بما يعلمون، فقال له عياض: ويلك يا بنطس! فأنتم أهل الكتاب وعلم وتجدون عندكم نعت نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم وآله) وصفته أفلا تتبعونه؟ قال: فقال بنطس:
إي والمسيح ابن مريم! لقد بشرنا في النجيل باسم محمد [صلى الله عليه] وآله وصفته، وإنه لعربي وهو خير الأنبياء، وأمته خير الأمم يوم القيامة، وهو الذي يركب الحمار ويلبس الشملة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وما نظنه إلا من بني إسرائيل، فقال عياض: تظنونه من بني إسرائيل وأنتم تجدونه في كتبكم عربيا؟ قال بنطس: إنا ظننا أنه يتكلم بالعربية ولا يكون عربيا، وأعلمك أيها الأمير أني دعوت