فلما كان الليل خرج عياض بن غنم في قريب من ثلاثمائة فارس، حتى صار إلى باب يقال له باب جروان (1)، وذلك بعد ثلاث ساعات من الليل أقل أو أكثر. قال: وإذا بجماعة من الروم على ذلك الباب وقد أوقفهم صاحب الرقة عليه وأمرهم بحفظه، قال: وقد شرب القوم شرابا فسكروا. فلما أشرفت عليهم خيل المسلمين في جوف الليل فزعوا لذلك ثم وثبوا إلى أسلحتهم ودوابهم، وعاجلهم المسلمون فقتلوا منهم من قتلوا. وأسروا الباقين فكتفوهم وأتوا بهم إلى عسكرهم في وقت السحر.
قال: وأصبحت الروم وقد بلغهم ذلك، فأشرفوا على أبراج المدينة، فنظروا إلى أصحابهم مأسورين وقد قتل منهم من قتل، فجزعوا لذلك جزعا شديدا.
قال: ثم أرسل بطريق الرقة إلى عياض بن غنم: إن رأيت أن تأذن لي في كلامك! فأرسل إليه عياض بن غنم: إن أردت كلامي فانزل إلى وكلمني، قال البطريق: إني أخاف أن أقتل من قبل أن أصل إليك، فأرسل إليه عياض: إنك آمن على نفسك حتى ترجع إلى مأمنك، قال: فاكتب لي أمانا يكون لي ولعشرة معي، قال: فكتب له عياض أمانا وبعث إليه منشورا قد ختمه بخاتمه.
قال: فنزل بطريق الرقة ومعه عشرة من بطارقته، عليهم الحرير والديباج، وفي أوساطهم مناطق الذهب المرصعة بالجوهر، حتى وقفوا بين يدي عياض، قال:
فرفع عياض رأسه فنظر إلى بطريق الرقة في زيه ذلك، فقال له: ما اسمك؟ قال:
اسمي بنطس (2)، فقال عياض: قل ما تشاء وسل ما بدا لك! قال بنطس: أيها الأمير! ما اسمك؟ قال: اسمي عياض، قال: ابن من؟ قال ابن غنم: قال:
فحرك البطريق رأسه ثم نظر إلى أصحابه وتبسم، ثم قال: إلى ما تدعو؟ قال عياض: أدعو إلى قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، فإذا قلتم ذلك وصمتم وصليتم وأديتم زكاة أموالكم وأحللتم ما أحل الله لكم وحرمتم ما حرمه عليكم فقد حرمت علينا دماؤكم وأموالكم إلا بحقها، وحسابكم على الله.
قال بنطس: فان لم نقل ذلك؟ قال عياض: فإن لم تقولوا ذلك فأدوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون وكونوا لنا ذمة وقروا في دياركم على دينكم ونحن نذب عنكم من بغاكم من أعدائكم، قال بنطس: أيها الأمير! فإني أقيم على ديني ولا أفارقه