الرحيم (1)، لعبد الله عمر أمير المؤمنين من معاذ بن جبل، سلام عليك، أما بعد!
فإنا ننعي إليك رجلا عندنا أمينا، وكان الله عز وجل في عينه عظيما، وكان عليك وعلينا عزيزا، أبا عبيدة بن الجراح، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر! فإنا لله وإنا إليه راجعون، وعند الله عز وجل نحتسبه ونحتسب أنفسنا من بعده، وكتبت إليك يا أمير المؤمنين كتابي هذا وقد فشا هذا الموت في الناس وكثر الوباء جدا، ولن يخطئ الموت أحدا، ومن لم يمت فسوق يموت، جعل الله عز وجل ما عنده خيرا من هذه الدنيا الدنية! (2) وجزاك الله عن خاصتنا وعامتنا خير الجزاء! فنعم أخو الإسلام أنت لنا شاهدا وغائبا، وسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
قال: فلما ورد كتاب معاذ بن جبل على عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وقرأه استعبر باكيا، ثم نعاه إلى جلسائه فجزعوا عليه وبكوا بكاء شديدا وترحموا على أبي عبيدة.
قال: واشتد الطاعون بالشام وفشا الموت في الناس، فقال عمرو بن العاص:
أيها الناس (3)! إن هذا الوباء قد وقع فيكم. إنما هو وخز من الجن، فمن أقام به هوى ومن انحاز عنه نجا.
قال: فبلغ قوله معاذ بن جبل فكأنه غضب لذلك ثم قال: ويح عمرو بن العاص! إنه ليقول ما ليس له به علم، أتراه قد صار؟
ثم نادى معاذ بن جبل في المسلمين فجمعهم حتى تكاملوا عنده فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس! إنه قد بلغني كلام عمرو بن العاص في هذا الوباء الذي يبتلي الله عز وجل به من يشاء من خلقه، والله لقد أسلمنا وصلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن عمرا يومئذ لاضل من حمار شارد عن أهله، وليس الامر في الوباء كما قال عمرو بن العاص، لكنها رحمة من ربكم ودعوة نبيه صلى الله عليه وسلم وميتة الصالحين من قبلكم (4). ثم قال: اللهم! أعط معاذا وآل معاذ من هذا