ألا! إن أهل الرهاء في ذمتنا وعهدنا، فلا تؤذوهم ولا تدخلوا عليهم في منازلهم إلا بإذن. قال: فكف المسلمون عن محاربة أهل الرهاء، وأخذ عياض منهم ما صالحهم عليه، وأعجبته المدينة وأقام بها أياما.
قال: واصطنع له ميطولس بطريق الرهاء طعاما كثيرا ثم جاء إليه فقال: أيها الأمير! إني قد فرشت الكنيسة العظمى وقد أحببت أن تتغذى عندي أنت ومن شئت من قومك، وتكرمني بإجابتك إياي إلى طعامي، حتى ترى أصحابي إكرامك لي، قال فقال عياض: يا ميطولس! لو فعلت ذلك بأحد من أهل دينك لفعلته بك، غير أني رأيت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما دخل بيت المقدس اصطنع له البطريق طعاما ودعاه إليه فلم يجبه عمر إلى ذلك، وأنا أيضا لا أحب أن أفعل ما لم يفعله عمر، قال ميطولس: أيها الأمير! فمر أصحابك يجيبوني إلى ذلك، قال: ما كنت بالذي آمرهم ولا أنهاهم.
قال: فبقى البطريق واقفا بين يدي عياض لا يدري ما يقول، فقال له عياض:
أيها البطريق! إنما أنت تفعل بنا ذلك خوفا على أرضك، وإنما يجب عليك أن تفعل هذا بمن يأتيك من بعدنا، فأما نحن فقد وفينا لك بالصلح، فلا تخف منا ظلما ولا أن نحملك ما لا تطيق! قال: فانطلق البطريق إلى أصحابه وهو يقول: هذا أفضل رجل يكون.
قال: وإذا امرأة نصرانية قد أقبلت على عياض بن غنم مع ابن عم لها فاختصمت إليه في شئ كان بينهما، قال: فقضى عياض للرجل على المرأة بالحق، ثم إنه نظر إليها وتأملها فرأى لها حسنا وجمالا فقال لها: لك زوج؟
فقالت: لا، فقال: هل لك في زوج؟ فقالت: ما أحوجني إلى ذلك إن كان الزوج على ما أريد، قال عياض: فإن كان الزوج على ما تريدين أتخرجين من دين النصرانية وتدخلين في دين الاسلام؟ فقالت له: ما أفارق دين النصرانية أبدا، وما على الزوج مني؟ له دينه ولي ديني، قال: فهم عياض أن يتزوجها، ثم قال: أمير قوم يتزوج بكافرة، هذا ما لا يحسن، فأعرض عنها وتركها. فجاءها رجل من أصحاب عياض فخطبها، فقالت: أنا خطبة أميرك وليس لي في غيره من حاجة، قال: ثم إن هذه المرأة اصطنعت لعياض طعاما كثيرا وأرسلت به إليه، فقبله منها ووهب لها جارية مما صار إليه من سهمه.