وأخذ يناوشهم، وهكذا قاتل الروم أكثر من مرة وكان النصر حليفا للمسلمين. ولما رأى الروم أن الحرب تجري على منوال واحد لم يخرجوا من القلعة. فجمع يزيد بن أبي سفيان عدة من وجوه الجيش وذوي الرأي وشاورهم حول الموقف قائلا: إننا في هذا المكان نعاني من قلة العدد في الدواب وجيشنا كبير ونحن عاجزون عن تأمين العلف ويتعذر علينا البقاء هنا وليست هناك حاجة لجميع الجيش فالرأي عندي أن يبقى جماعة من الجيش على حصار هذه القلعة فإن خرجوا إليهم قاتلوهم وإلا ظلوا محبوسين داخل القلعة، ثم يذهب القسم الآخر إلى دمشق فأجابوه: الرأي هو ما رأيت ولا نزيد عليه شيئا. حينئذ دعى يزيد شقيقه معاوية وسلمة أربعة آلاف فارس من خيرة الجنود وأمره بأن يقيم حول القلعة فإن خرج إليه أحد من أهلها قاتله وإلا فإنهم يظلون محصورين إلى أن يأذن الله بوسيلة لهذا الامر. فقبل معاوية ذلك فتركه يزيد هناك وانطلق ببقية الجيش نحو دمشق. وحين رأى جيش الروم أن يزيد قد عاد وأن معاوية ليس معه سوى عدد قليل من الجند، رأوا أن الوقت قد حان لإزالتهم.
فغلبهم الطمع وخرجوا من القلعة بجيش مرتب وعدد كبير وشرعوا بالحرب فقابلهم معاوية بجيشه ووقعت حرب شديدة ولكن العاقبة كانت لصالح المسلمين، وقتل من الروم أكثر من عشرة آلاف وفر الباقون والتجأوا إلى القلعة، ثم فكروا بأنهم لا طاقة لهم بالحرب فالمسلمون أشجع منهم وشوكتهم وقوتهم أكثر منهم. والدولة أيضا لهم، وأن المصلحة في إجراء الصلح معهم.
في اليوم الثاني أرسلوا شخصا إلى معاوية وطلب الصلح على أساس أن يترك معاوية البلد ويقدموا له عشرين ألف دينار نقدا ويقدموا الجزية وبعد ذلك يصبحون مطيعين: فكتب معاوية إلى أخيه رسالة شرح له فيها الوقائع التي حصلت ومطلب أهل قيسارية حول الصلح فأجابه يزيد بالموافقة على الصلح. حينئذ، كتب معاوية عهد الصلح (1) ثم أدى أهل البلد المبلغ المقرر، ثم سار معاوية مع الجيش إلى