إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره الذهب وقد نهى عنه، ولكن ويحك يا جبلة! ما الذي أخرجك عن قومك وملكك وبلادك بعد الذي كان منك من الاسلام والحج إلى بيت الله الحرام وقراءة القرآن؟ فقال: ويحك يا حذيفة! أو ما بلغك الذي كان من أمر عمر؟ أراد أن يقتص مني لرجل من السوقة! فقلت: بلى، لعمري لقد بلغني ذلك، وهذا الأشعث بن قيس الكندي وطليحة بن خويلد الأسدي قد كانا أسلما ثم رجعا عن دين الاسلام ومنعا الزكاة وحاربا وقتلا من المسلمين ثم إنهما رجعا تائبين إلى دين الاسلام، قبل ذلك منهما، فقال جبلة: ذر عنك هذا يا حذيفة!
ثم أشار إلى خادم واقف بين يديه فخرج الخادم ولم أشعر إلا وغلمان قد أقبلوا يحملون صناديق الأطعمة حتى وضعت، ثم وضعت مائدة من ذهب بين يدي سريره، فنزل عن السرير وجلس على بساط بين يدي السرير ثم دعاني، فاستعففت من ذلك وأن آكل على مائة من الذهب، فأمر لي بمائة من الخلنج (1) فوضعت بين يدي، ثم سعى إلينا بكل حار وبارد من طعام ما رأيت ولا سمعت بمثله. قال حذيفة: فكان يوضع بين يديه صحفة من ذهب، ويوضع بين يدي قصعة من خلنج أو جام من قوارير (2) وفيه من ذلك الطعام الذي يوضع بين يديه، قال: ثم أتي بالخمر، فقلت له: إني رأيت أن تعفني من دورها على المائدة، ففعل، ثم رفعت المائدة وأتي بالوضوء فقدم إليه طشت من ذهب، فلما أخذ في غسل يده قمت فغسلت يدي ناحية من الدار على الأرض - أو قال: في بركة ماء كانت في الدار، ثم رجعت إلى موضعي فجلست فيه.
قال: فدعا بقدح إلى أطول ما هو، فشرب فيه خمسا أو ستا أعد ذلك عليه، ثم أشار بعينه إلى خادم له واقف بين يديه، قال: فخرج الخادم فما كان بأسرع أن نظرت إلى عشر جوار قد أقبلن كأنهن التماثيل يحملن كراسي العاج والابنوس مغشاة بجلود النمور وجلود الجرو السمور حتى وضعت عن يمينه ويساره، ثم نظرت وإذا بعشر جوار عليهن الوشي والديباج المذهب وهن يتبخترن في الذهب والجوهر، فأقبلن حتى جلسن على تلك الكراسي وعيدانهن في حجورهن، قال: وإذا بجارية أخرى قد أقبلت وفي يدها إناء من ذهب مملوء بالمسك والعنبر والكافور المسحوق،