قال سعيد بن زيد بن عمرو: كان القتال في الميمنة شديدا، ننهزم مرة ونعود ساعة ونصبر ساعة [و] نتأخر.
قال: فنظر خالد بن الوليد إلى الميمنة وقد مالت إلى القلب، فصاح بمن معه من الخيل ومال عليها وهو في زهاء ستة آلاف فارس فكبر وكبروا وحملوا على الروم، فأنكى فيهم خالد نكاية عظيمة حتى كشف أعداء الله المشركين عن الميمنة والقلب إلى مواضعها من قومه دون خمسمائة فارس، وجعل يحمل حملات متداركات ويضرب ضربات هائلات وهو ينادي (1): يا أهل الايمان! أفرارا من الموت؟
الصبر الصبر! فتراجع أصحابه (3) إليه وحمل عند رجعتهم على الأرمن فردهم على أعقابهم، وجعلوا يضربون وجوههم بالسيوف، ويطعنون فيهم بالرماح ويرشقونهم بالنبال حتى أصابوهم.
ثم رجع شرحبيل إلى مكانه ودار (4) به أصحابه وأقبل بعضهم على بعضهم يقولون: ما لكن حتى انهزمتم أمام هؤلاء الكفرة وأنتم البررة أهل القرآن وعباد الرحمن؟ أما سمعتم قول الله في كتابه العزيز (ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله) (5) الآية.
قال: ونظر قيس بن هبيرة إلى خيل شرحبيل قد ارتجفت (6)، فخرج فيمن معه وحمل على العدو وهو ينادي بشعاره، فسمع خالد بن الوليد شعار قيس وأصحابه، فخرج خالد من وراء الجموع ونادى هو وأصحابه بشعارهم - وكان شعارهم: يا نصر الله انزل! يا نصر الله انزل! وكان هذا شعار المسلمين يوم أحد، وحمل خالد على الروم من ذات الشمال، فقتل منهم مقتلة عظيمة وجال المسلمون في الروم جولة منكرة، فلله در الزبير بن العوام وهاشم [بن المرقال] وخالد بن الوليد [لقد] حملوا حملة شديدة حتى قربوا من سرادق ماهان وخيامه.