فلما نظر ماهان إلى ذلك ولى هاربا عن سريره وصاح بالروم وعنفهم، فرجعوا يطلبون القتال، وصاح أبو عبيدة بسعيد بن زيد فحمل بمن معه وهم ينادون:
لا إله إلا الله محمد رسول الله، يا منصور أمت! يا نصر الله انزل! وحملوا عليهم بأجمعهم حملة واحدة، وقد أنزل الله تعالى نصره على المسلمين وأقبلوا يقتلون في الروم قتلا ذريعا، فبينا الناس في حملتهم إذ سمعوا قائلا يقول: يا نصر الله انزل! يا نصر الله انزل وأقرب! أيها الناس الثبات!
قال عامر بن مسلم (1): فتأملنا فإذا به أبو سفيان تحت راية ابنه يزيد وشدت الامراء بأجمعهم على من يليهم، وقاتلوا قتالا شديدا، ولم يكن في الروم أثبت من أصحاب السلاسل فإنهم ثبتوا في أمكنتهم يبتغون (2) من أتاهم، وأما الرماة من الأرمن فإنهم كانوا في القلب من عساكر الروم وهم مائتا ألف (3)، وكانوا إذا رشقوا سهامهم نحو العرب يسترون الشمس، فلولا نصر الله والمعونة منه لكان المسلمون قد هلكوا، وانفصل المسلمون فرحين بالنصر. وقد هلك من المشركين أكثرهم.
فلما أصبح الصباح اصطف الفريقان للقتال، وكان المسلمون أسبق، فخرج من الروم فارس فخرج إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز من الروم ثان وثالث ورابع فقتلهم.
فقال خالد لأبي عبيدة (4): إن الزبير قد جرد نفسه للقوم حبا في الله ورسوله وإنا نخاف عليه، فصاح أبو عبيدة بالزبير وحلف عليه أن يرجع، فرجع إلى مكانه، وخرج خامس من الروم فخرج إليه خالد بن الوليد فقتله - وكان ملك الروسية (5) - وأخذ سلبه وتاجه وصليبه ودرعه وعصابته، فقوم الجميع فكان بخمسة عشر ألف درهم. قال: وأخبر ماهان بذلك، فغضب غضبا شديدا وقال: هذا ملكان قد قتلا، وإني أظن أن المسيح لا ينصرنا، ثم إنه أمر الرماة من الروم أن يرموا على المسلمين يدا واحدة، فرموا سهامهم وأطلقوها نحو المسلمين مائة ألف سهم من