كبدة واحدة، فكانت تقع كسقوط البرد في عسكر المسلمين من السماء وكالوابل المتدارك، وكثر القتل في المسلمين والجراح وعور من المسلمين سبعمائة عين، وسمى ذلك اليوم يوم التعوير، وكان ممن أصيب بعينه ذلك اليوم المغيرة بن شعبة وسعيد بن زيد وبكير بن عبد الله وأبو سفيان وراشد بن سعد (1)، هؤلاء المقدمون وباقي سبعمائة من المسلمين، وكان الرجل يلتقي بالرجل بعد ذلك اليوم فيقول له:
ما الذي أصابك في عينك؟ فيقول الاخر: لم تقول: مصيبة؟ بل قل: منحة (2) من الله عز وجل.
قال: وعظم وقع السهام في المسلمين حتى ما كنت تسمع إلا من يصيح:
واعيناه! واحدقتاه! واضطرب المسلمون اضطرابا شديدا ونقضت العرب أعنة خيلها راجعة على أعقابها، ونظر ماهان إلى اضطراب المسلمين فحرض الرماة وزحف نحو المسلمين، وزادت الرماة في رميها، وزحفت المسلسلة بحديدها والبيارق تلمع في أكف الرجال كأنها قبس النيران.
قال عامر: فنظرت جيوش الروم نحونا سائرة وفرسان المسلمين متأخرة، فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم أنزل علينا نصرك وصبرك الذي نصرتنا به في المواطن كلها! ثم صحت في رجال حمير: أتهربون من الجنة إلى النار؟ ما هذا الفرار؟ أما تخافون العار؟ وجعلت أهتف بقبائل العرب وكل قد شغل بنفسه، فجعلت أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فما كان غير بعيد حتى نزل النصر من السماء، وكان المسلمون قد أقبلوا (4) راجعين نحو النساء، ولم يثبت قدام المشركين غير أصحاب الرايات.
قال عبد الله بن قرط الأزدي: شهدت قتال الشام كله فلم أشهد في يوم اليرموك أشد من يوم التعوير، وقد رجعت خيل المسلمين على أعقابها وقاتلت الامراء بأنفسها والرايات في أيديها، فقلت في نفسي: وكم جهد ما يقاتل هؤلاء الامراء وهم في نفر يسير حتى أسعدنا الله بحملة النساء اللاتي شهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم