قد رأى مكانه، فقال [له: يا] فيميون، تعلم والله أنى ما أحببت شيئا قط حبك، وقد أردت صحبتك، والكينونة معك حيث كنت، فقال: ما شئت، أمرى كما ترى، فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم، فلزمه صالح. وقد كاد أهل القرية يفطنون لشأنه، وكان إذا فاجأه العبد به الضر دعا له فشفى، وإذا دعى إلى أحد به ضر لم يأته، وكان لرجل من أهل القرية ابن ضرير، فسأل عن شأن فيميون، فقيل له: إنه لا يأتي أحدا دعاه، ولكنه رجل يعمل للناس البنيان بالاجر، فعمد الرجل إلى ابنه ذلك فوضعه في حجرته وألقى عليه ثوبا، ثم جاءه فقال له: يا فيميون، إني قد أردت أن أعمل في بيتي عملا فانطلق معي إليه حتى تنظر إليه، فأشارطك عليه، فانطلق معه، حتى دخل حجرته، ثم قال له:
ما تريد أن تعمل في بيتك هذا؟ قال: كذا وكذا، ثم انتشط الرجل الثوب عن الصبى، ثم قال له: يا فيميون، عبد من عباد الله أصابه ما ترى فادع الله له، فدعا له فيميون، فقال الصبى ليس به بأس. وعرف فيميون أنه قد عرف فخرج من القرية وأتبعه صالح، فبينما هو يمشى في بعض الشام إذا مر بشجرة عظيمة، فناداه منها رجل فقال: أفيميون؟ قال نعم، قال: ما زلت أنظرك وأقول: متى هو جاء، حتى سمعت صوتك، فعرفت أنك هو، لا تبرح حتى تقوم على، فإني ميت الآن، قال: فمات وقام عليه حتى واراه، ثم انصرف.
وتبعه صالح، حتى وطئا بعض أرض العرب، فعدوا عليهما، فاختطفتهما سيارة من بعض العرب، فخرجوا بهما حتى باعوهما بنجران، وأهل نجران يومئذ على دين العرب، يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم، لها عيد في كل سنة، إذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه، وحلي النساء، ثم خرجوا إليها فعكفوا عليها يوما، فابتاع فيميون رجل من أشرافهم، وابتاع صالحا آخر، فكان فيميون إذا قام من الليل [يتهجد] في بيت له - أسكنه إياه سيده - يصلى، استسرج له البيت نورا حتى يصبح من غير مصباح، فرأى ذلك سيده،