قتل المتوكل، وتغلب الموالي من الأتراك، وتناثر سلك الخلافة، وتفننت الدولة العباسية في الترف، وقوي عامل كل جهة على ما يليه، وكثرت النفقات، وقلت المجابي بتغلب الولاة على الأطراف، حدثت بدع كثيرة من جملتها غش الدراهم، ويقال: أول من غش الدراهم عبيد الله بن زياد حين فر من البصرة سنة 64 ثم فشت في الأمصار (1).
إن للنقود الإسلامية تاريخا طويلا، ولكنا نقول بالإجمال: إن المسكوكات الإسلامية ضربت في كل عواصم الإسلام وفي أشهر مدنها في العراق والشام والأندلس وخراسان وصقلية والهند وغيرها، وهي تختلف رسما وسعة ونصا باختلاف الدول والعصور.
وكانت الكتابة على النقود تنقش بالحرف الكوفي، ثم تحولت إلى الحرف النسخي الاعتيادي سنة 621 في أيام العزيز محمد ابن صلاح الدين الأيوبي بمصر، وكانوا لم يذكروا اسم البلد التي ضربت النقود فيه إلى أوائل القرن الثاني للهجرة، وكانوا إذا ذكروا تاريخ الضرب سبقوه بلفظ: السنة، ثم أبدلوه بلفظ: عام، وكثيرا ما كانوا يقولون: شهور سنة كذا، أو شهور عام كذا، أو في أيام دولة فلان، وكان يكتب التاريخ أولا بالحروف على حساب الجمل ثم كتب بالأرقام، وأقدم ما عثروا عليه مؤرخا بالأرقام سنة 614.
وكانت دار الضرب ضرورية للدولة كما نراها ضرورية في هذه الأيام، إذ لا تخلو دولة من دول الأرض المتمدنة من دار تضرب فيها النقود، وكان ذلك شأن الدول الإسلامية في كل أدوارها، ولم تكن تخلو عاصمة أو قصبة من دار للضرب في بغداد والقاهرة ودمشق والبصرة وقرطبة وغيرها شيء كثير.
وكان لدار الضرب ضريبة على ما يضرب فيها من النقود يسمونها: ثمن الحطب وأجرة الضراب، ومقدار ذلك درهم عن كل مئة درهم، أي واحد في المائة، وربما اختلفت هذه الضريبة باختلاف المدن، فكان للدولة من ذلك دخل حسن (2).
وكانت صناعة ضرب النقود في تلك العصور لا تزال في أبسط أحوالها، وهي عبارة عن طابع من حديد تنقش فيه الكلمات التي يراد ضربها على النقود مقلوبة،