يقصده الزائرون من كل حدب وصوب، ويعظمونه غاية التعظيم، وينذرون له نذورا كثيرة يطلبون من الله تعالى عنده قضاء حوائجهم المهمة، وأن فقهاءنا أجمع أشاروا إلى القبر، فإنهم رضوان الله عليهم لما ذكروا مسجد الكوفة وفضله والأعمال فيه في جميع مقاماته، وذكروا مقام الصادق (عليه السلام) والصلاة والدعاء على دكته (عليه السلام).
قالوا: ثم إمض إليها وهي قريبة من قبر مسلم بن عقيل (رضي الله عنه)، وممن ذكر ذلك: صاحب المزار الكبير والشهيد والمجلسي والحر العاملي وغيرهم، فقالوا: فإذا فرغت فامض إلى قبر مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) فقف على قبره وقل:... إلى آخر زيارته، ولم يذكروا اختلافا في ذلك (1).
وكذلك الشيخ الديلمي في إرشاده، فإنه لما ذكر رفع عذاب البرزخ عمن دفن بالغري قال: وعن القاضي ابن بدر الهمداني الكوفي - وكان رجلا صالحا - قال: كنت في جامع الكوفة ذات ليلة مطيرة فدق باب مسلم جماعة، ففتح لهم الباب وذكر بعضهم: أن معهم جنازة فأدخلوها وجعلوها على الضفة التي تجاه مسلم ابن عقيل، الحديث.
وقد ذكر هذا الحديث ابن طاووس في فرحة الغري، والحر العاملي في الوسائل، والسيد عبد الله شبر، والآغا البهبهاني، والشيخ خضر شلال، كل في مزاره، والمجلسي في البحار، بل جميع فقهائنا ذكروه، وهذا لو لم يكن معروفا لأوضحوا المقال فيه (2).
وأقوى حجة على ما قلناه: أن مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) قتل يوم التروية قبل قدوم الحسين (عليه السلام) بأربعة وعشرين يوما، وكان أئمتنا في عصرهم وكذا أولادهم وأولاد أولادهم وأصحابهم كل في عصره، قد أخذ الناس عنهم في تعيين مرقد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ومرقد غيره، فلو كان قبر مسلم رضوان الله عليه بغير هذا الموضع المعروف اليوم، لأوضحوا للناس ذلك ولأزالوا اشتباههم وأبانوا لهم موضع قبره، فسكوتهم عن ذلك أقوى حجة على ما بيناه وأدل دليل على ما ذكرناه.