الكوفي المذكور (1).
وكان الحفاظ والرواة يدققون فيما يأخذونه عن العرب من شعر أو مثل أو قول أو غير ذلك وما يسمعونه من معانيها، لأن عليها يتوقف تفسير القرآن، ولذلك فإنهم تحدوا في نقل اللغة طريقة الإسناد المتسلسل، كما كانوا يفعلون في رواية الحديث وعنى الناس بحفظها مثل عنايتهم بحفظه، لاعتبارهم أن ناقل اللغة يجب أن يكون عدلا كما يشترط في ناقل الحديث، لأنها واسطة تفسيره وتأويله، على أنهم لم يستطيعوا ذلك تماما.
ولما بنيت بغداد وانتقل العلم إليها، غلب ورود أهل الكوفة إليها لقربهم منها، وكان العباسيون يكرمونهم، لأنهم نصروهم لما قاموا لطلب الخلافة، فقدمهم الخلفاء على أهل البصرة واستقدموهم إليهم ووسعوا لهم، ورغب الناس في الروايات الشاذة، وتفاخروا في النوادر، وتباهوا بالترخيصات، وتركوا الأصول، واعتمدوا على الفروع.
ولما قدم العباسيون أهل الكوفة، ارتقوا في عين أنفسهم وأرادوا مسابقة أهل البصرة ومفاخرتهم، فقامت المجادلات بين البلدين في مسائل كثيرة في النحو والأدب واللغة، وكانت علوم اللغة في أول أمرها مشتركة مختلطة ثم تميزت وتشعبت فصارت علوما عديدة، كل منها مستقل عن الآخر، كالنحو والصرف واللغة والمعاني والبيان والاشتقاق والعروض والقوافي وأخبار العرب وأمثالهم والجدل وغيرها، وقد يطلقون عليها علم الأدب، ولكل منها تاريخ وشروح (2).
وإليك فيما يلي أسماء طائفة من الكوفيين نبغوا في اللغة ودونوا فيها على الأكثر، معتمدين في نقل أسمائهم على: طبقات اللغويين الكوفيين، لأبي بكر الزبيدي الأشبيلي (طبع ليدن)، وعلى: بغية الوعاة، لجلال الدين السيوطي (طبع مصر)، وربما اعتمدنا على غيرهما من المعاجم.
1 - حماد بن هرمز، أبو ليلى، ذكره الزبيدي في الطبقة الأولى من اللغويين الكوفيين (3).