النحويين يتوقف انتصار أهل بلده جميعا.
وإليك خلاصة المسألة الزنبورية، كي يظهر لك مقدار اهتمام الملوك العباسيين في المسائل العلمية:
كان الكسائي مقيما في بغداد يعلم الأمين، واتفق أن سيبويه قدم إليها من البصرة، فجمع الأمين بينهما في مجلس فتناظرا في أمور كثيرة، من جملتها مسألة الزنبور والعقرب، فذكر الكسائي من أمثال العرب مثلا رواه على هذه الصورة: كنت أظن أن الزبور أشد لسعا من العقرب فإذا هو إياها.
فقال سيبويه: ليس المثل كذلك بل: فإذا هو هي.
وتشاجروا طويلا واتفقا على مراجعة عربي خالص لا يشوب كلامه شيء من كلام أهل الحضر.
وكان الأمين شديد العناية بالكسائي لكونه معلمه، فاستدعى عربيا وسأله فقال كما قال سيبويه، فقال له: نريد أن تقول كما قال الكسائي.
فقال: لساني لا يطاوعني على ذلك، فإنه ما يسبق إلا إلى الصواب.
فقرروا معه أن شخصا يقول: قال سيبويه كذا وقال الكسائي كذا، فالصواب مع من منهما؟
فيقول العربي: مع الكسائي.
فقال: هذا يمكن.
ثم عقد لهما المجلس واجتمع أئمة النحو، وحضر العربي وقيل له ذاك فقال:
الصواب مع الكسائي وهو كلام العرب.
فعلم سيبويه أنهم تحاملوا عليه وتعصبوا للكسائي، فخرج من بغداد وقد حمل في نفسه لما جرى عليه، وقصد بلاد فارس فأقام بها حتى مات ولم يعد إلى البصرة (1).
وزها القرن الثاني وبعض الثالث في الكوفة، ونبغ فيها النحاة والرواة والحفاظ والأدباء والشعراء، قيل: كانت البصرة متقدمة في ذلك وأهل الكوفة يأخذون عن أهل البصرة، وهؤلاء يستنكفون أن يأخذوا عن أهل الكوفة، لاعتقادهم أنهم غير