فدفع إليهم غنيمات كن معه به، والغنم يقال لها بالنبطية: نقيا.
فقال: أكره أن آخذها بغير ثمن، فصنعوا ما صنع أهل بيت المقدس بصاحبهم وهبوا له أرضهم، فلما نزلت بها البركة رجعوا عليه.
وذكر إبراهيم (عليه السلام) أنه يحشر من ولده من ذلك الموضع سبعون ألف شهيد، فاليهود تنقل موتاها إلى هذا الكان لهذا السبب، لما رأى (عليه السلام) غدرهم به تركهم ومضى نحو مكة في قصة فيها طول، وقد ذكرها الأعشى، فقال:
فما نيل مصر إذ تسامى عبابه * ولا بحر بانقيا إذا راح مفعما بأجود منه نائلا إن بعضهم * إذا سئل المعروف صد وجمجما (1).
وقال أيضا:
قد سرت ما بين بانقيا إلى عدن * وطال في العجم تكراري وتسياري (2).
وأما ذكرها في الفتوح، فقال أحمد بن يحيى: لما قدم خالد بن الوليد (رضي الله عنه) العراق بعث بشير بن سعد أبا النعمان بن بشير الأنصاري إلى بانقيا، فخرج عليه فرخبنداذ في جيش فهزمهم بشير وقتل فرخبنداذ وانصرف بشير وبه جراحة فمات بعين التمر، ثم بعث خالد جرير بن عبد الله إلى بانقيا، فخرج إليه بصبهري بن صلوبا فاعتذر إليه وصالحه على ألف درهم وطيلسان وقال: ليس لأحد من أهل السواد عهد إلا لأهل الحيرة وأليس وبانقيا.
فلذلك قالوا: لا يصلح بيع أرض دون الجبل إلا أرض بني صلوبا وأرض الحيرة.
وذكر إسحق بن بشير أبو حذيفة فيما قرأته بخط أبي عامر العبدري: بإسناده إلى الشعبي: أن خالد بن الوليد سار من الحيرة حتى نزل بصلوبا صاحب بانقيا وسميا على ألف درهم وزن ستة، وكتب لهم كتابا فهو عندهم إلى اليوم معروف.
قال: فلما نزل بانقيا على شاطئ الفرات قاتلوه ليلة حتى الصباح، فقال في ذلك ضرار بن الأزور الأسدي:
أرقت ببانقيا ومن يلق مثل ما * لقيت ببانقيا من الحرب يأرق فلما رأوا أنه لا طاقة لهم بحربه، طلبوا منه الصلح فصالحهم وكتب لهم كتابا فيه: