الثانية، وكانت ولايته في صفر منه هذه السنة وكانت البربر قد فعلت بإفريقية ما ذكرناه سنة سبع عشرة ومائة وقد حصروا بلج بن بشر العبسي حتى ضاق عليه وعلى من معه الامر واشتد الحصر وهم صابرون إلى هذه السنة فأرسل إلى عبد الملك بن قطن يطلب منه أن يرسل إليه مراكب يجوز فيها هو ومن معه إلى الأندلس وذكر ما أنزل عليه من الشدة وأنهم أكلوا دوابهم فامتنع عبد الملك من إدخالهم الأندلس ووعدهم بإرسال المدد إليهم فلم يفعل.
فاتفق ان البربر قويت بالأندلس فاضطر عبد الملك إلى ادخال بلج ومن معه، وقيل إن عبد الملك استشار أصحابه في جواز بلج فخوفوه من ذلك فقال أخاف أمير المؤمنين أن يقول أهلكت جندي فأجازهم وشرط عليهم أن يقيموا سنة ويرجعوا إلى إفريقية فأجابوه إلى ذلك وأخذ رهائنهم وأجازهم.
فلما وصلوا إليه رأى هو والمسلمون ما بهم من سوء الحال والفقر والعرى لشدة الحصار عليهم فكسوهم وأحسنوا إليهم وقصدوا جمعا من البربر بشدونة فقاتلوهم فظفروا بالبربر فأهلكوهم وغنموا ما لهم ودوابهم وسلاحهم فصلحت أحوال أصحاب بلج وصار لهم دواب يركبونها.
ورجع عبد الملك بن قطن إلى قرطبة وقال لبلج ومن معه ليخرجوا من الأندلس فأجابوه إلى ذلك فطلبوا منه مراكب يسيرون فيها من غير الجزيرة الخضراء لئلا يلقوا البربر الذين حصروهم فامتنع عبد الملك وقال ليس لي مراكب إلا في الجزيرة فقالوا: إننا لا نرجع نتعرض إلى البربر ولا نقصد الجهة التي هم فيها لأننا نخاف أن يقتلونا في بلادهم فألح عليهم في العود،