وبهذا النهج من البحث نصل بالدقة إلى ما يريده قدس الله نفسه من ابتناء مسألة (قبح العقاب بلا بيان) علميا على عدم وجود (حق الطاعة) للمولى على المكلف في مرحلة سابقة فيما لم يصل التكليف إلى المكلف بصورة قطعية.
يقول رحمه الله في كلام سابق له نقلناه في مناقشته لتقرير المحقق الأصفهاني: (فلا بد أن يتجه البحث إلى أن حق الطاعة للمولى هل يشمل التكاليف الواصلة بالوصول الاحتمالي أو يختص بما كان واصلا بالوصول القطعي).
وهو كلام دقيق وجيه، لا ريب فيه.
وقد حرصنا نحن أن نسلك هذا النهج فنثبت أولا، في النقطة الأولى من البحث نفي حق الطاعة للمولى على المكلف فيما لم يصله التكليف بصورة قطعية بعد التحري والبحث عنه في مظانه.
وإذا ثبت لنا ذلك بموجب حكم العقل العملي، كما أسلفنا، رتبنا على ذلك حكم العقل القطعي بقبح عقاب المولى للمكلف عند مخالفته للتكليف إذا لم يصله التكليف وصولا قطعيا، وهو معنى القاعدة المعروفة لدى المشهور من الأصوليين ب (قبح العقاب بلا بيان).
وهذه القاعدة - كما نرى - مزج بين حكمين عقليين، وليس حكما عقليا واحدا.
ونقطة الارتكاز في نقد المحقق الشهيد رحمه الله لكلمات المحققين من الأصوليين هي اعتبار القاعدة منطلقة من حكم عقلي واحد، و ليست تركيبا من حكمين عقليين بالطريقة التي شرحناها.