وأبي يوسف وزفر ومحمد بن الحسن واللؤلؤي على جهلهم بالسنن والآثار، وفساد رأيهم وقياساتهم التي لم يوفقوا منها إلا لكل بار متخاذل، والتي هي في المضاحك أدخل منها في الجد، ويجعلون تلك الأقوال الفاسدة خلافا على القرآن وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا يجيزون الاخذ بالسنن الثابتة للشافعي، ولا لأحمد بن حنبل، ولا لإسحاق بن راهويه، وداود بن علي، وأبي ثور، ومحمد بن نصر ونظرائهم، على سعة علم هؤلاء بالسنن، ووقوفهم على الصحيح منها والسقيم، وعلى تبحرهم في معرفة أقوال الصحابة والتابعين، وثقة نظرهم. ولطف استخراجهم للدلائل. وأن من قال منهم بالقياس فقياسه من أعذب القياس وأبعده من ظهور الفساد فيه وأجرأه على علته مع شدة ورع هؤلاء، وما منحهم الله تعالى من محبة المؤمنين لهم، وتعظيم المسلمين علمائهم وعامتهم لهم، وحلول أبي حنيفة وأصحابه في صدر هذه المنازل.
فإن موهوا بتقدم عصر أبي حنيفة، وموه المالكيون بتقديم عصر مالك وتأخر عصر من ذكرنا، قلنا: هذا عجب آخر، وقد علمنا وعلمتم أنه لم يكن بين آخر وقت فتيا أبي حنيفة وأول أوقات الشافعي إلا نحو ثلاثين عاما، ولم يكن بين آخر فتيا مالك وبين أول فتيا الشافعي إلا عام أو نحوه ولعله قد أفتى في حياة مالك. وقد أفتى الشافعي، وأبو يوسف ومحمد بن الحسن واللؤلؤي أحياء وكذلك أفتى المغيرة وابن كنانة وابن القاسم وابن وهب وأشهب وابن الماجشون أحياء، ومات الشافعي وأشهب في شهر واحد، ومات الحسن بن زياد بعدهم بنحو عام ومات الماجشون ومطرف بعدهما بأعوام كثيرة.
فليت شعري من المبيح لبعضهم ما حجزوه عن بعض؟ ثم لم يكن بين آخر فتيا مالك وأول وقت فتيا أحمد وإسحاق وأبي ثور إلا عشرين عاما أفي مدة عشرين عاما يغلق باب الاختبار؟ تعالى الله عن قول المجانين، وكل هؤلاء أفتى والحسن بن زياد حي. فما الذي أباح للحسن بن زياد ولابن القاسم من الفتيا، ما لم يبح لأحمد وإسحاق وأبي ثور؟ وبالله إن بينهم وبين ذينك من التفاوت في العلم أكثر مما بين المشرق والمغرب ثم أفتى داود بن علي ومحمد بن نصر ونظراؤهما مع أحمد وإسحاق وأبي ثور، ثم هكذا ينشأ العلماء ويموت العلماء عاما عاما، وما هو