والمتكلمون في هذه المسألة حكمهم فيها بالمساقاة والمزارعة على الثلث والربع فإنهم قالوا: قد اختلف في الناس في ذلك، فمن مانع من المساقاة أو المزارعة جملة، ومن مبيح لها جملة، ثم صح النص بإباحتها عن النصف، وقد صح الاجماع على أن حكمها أقل من النصف، وأكثر من النصف كالحكم في النصف.
قال أبو محمد: ما نحتاج إلى هذه الشغاب الحرجة، والدعاوى المعوجة، بل نقول:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح لأصحاب الضياع في تلك المعاملة النصف، والمعاملين النصف، فدخلها دون النصف ضرورة بالمشاهدة فيما جعل لكل طائفة من النصف، فإذا تراضى الفريقان على أن يترك أحدهما مما يجعل له أخذه جزءا مسمى، ويقتصر على بعضه. فذلك له، إذ كل أحد محكم في مثل ذلك مما جعل له كما لو وهب الوارث بعض ميراث لمن يشركه في الميراث أو لغيره، فإن قيل: فهلا أجزتم هذا بعينه في التراضي فيما يقع فيه الربا على خلاف التماثل؟ قلنا: لم يجز ذلك لان النص الوارد في الربا مما عنى التماثل، وحظره وتوعدنا عليه، ولم يأت حكم نص المساقاة المزارعة والمواريث واشتراط مال المملوك المبيع والثمرة المأبورة بالمنع مما عدا ذلك، بل أباح الاشتراط للنصف أو الكل، ولم يمنع ما دخل في الإباحة المذكورة بالنص ما هو أقل من النصف أو الكل، وبالله التوفيق.
قال أبو محمد علي: وكثيرا ما نحتج مع المخالفين بما أجمعوا عليه معنا، ثم ننكر عليهم الانتقال عنه إلى حكم آخر، كقولنا لمن حرم الماء وحكم بنجاسته في إبل حرام حله، فلم يغير لونه ولا طعمه ولا ريحه، ومثل هذا كثير جدا فعاب ذلك علينا من لم يحصل وقال: قد جمعتم في هذه الطريق وجهين من عظيمين، أحدهما الاحتجاج بإجماعهم معكم، وأنتم تنكرون دعوى معنى الاجماع، وتجعلونها كذبا على الامر أن يقال لكم: فما الذي أنكرتم على اليهود إذ قالوا:
قد أجمعتم معنا على نبوة موسى عليه السلام وصحة التوراة وحكم السبت، وخالفناكم في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصحة القرآن وشرائع دينكم.
قال أبو محمد: فقلنا: ما تناقضنا في شئ من ذلك، وأما احتجاجنا على مخالفينا موافقتهم لنا على حكم ما، وإنكارنا عليه الخروج مما أجمع معنا عليه فإنما فعلنا ذلك لخروجه عما قد حكم بصحته إلى قول آخر بلا برهان من قرآن أو سنة فقط،