والقبالات وأنواع الظلم وحل عرى الاسلام، وقد علمنا أحوال أولئك القضاة الذين يأخذون دينهم عنهم، وكيف كانوا في مشاهدة إظهار البدع من المحنة في القرآن بالسيف والسياط والسجن والقيد والنفي ثم سائر ما كانوا يتشاهدونه معهم على ما استعانوا هم عليه من تسمية أمور ملكهم، فمثل هؤلاء لا يتكثر بهم وإنما كان أصل ذلك تغلب أبي يوسف على هارون الرشيد وتغلب يحيى بن يحيى على عبد الرحمن بن الحكم فلم يقلد للقضاء شرقا وغربا إلا من أشار به هذان الرجلان واعتنيا به، والناس حراص على الدنيا فتلمذ لهما الجمهور، لا تدينا لكن طلبا للدنيا، وولاية القضاء والفتيا، والتديك على الجيران في المدن والأرياض والقرى، واكتساب المال بالتسمي بالفقه.
هذا أمر لا يقدر أحد على إنكاره فاضطرت العامة إليهم في أحكامهم وفتياهم وعقودهم ففشا المذهبان فشوا طبق الدنيا. قال الله عز وجل: * (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب) * وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات وصار من خالفهم مقصودا بالأذى مطلوبا في دمه أو مهجورا مرفوضا إن عجزوا عن أذاه لمنزلة له عند السلطان أو لكفه للسانه وسده لبابه إذ وسعته التقية والصبر صبر.
وكذلك إفريقية كان الغالب فيها السنن والقرآن إلى أن غلب أسد بن الفرات بن أبي حنيفة، ثم ثار عليهم سحنون بن أبي مالك فصار القضاء فيهم دولا، يتصاولون على الدنيا تصاول الفحول على الشول إلى أن تولى القضاء بها بنو هاشم الخيار، وكان مالكيا فتوارثوا القضاء كما تورث الضياع فرجعوا كلهم إلى رأي مالك طمعا في الرياسة عند العامة فقط.
هذا أمر لا يقدر أحد على إنكاره، قرب إلينا داء الأمم قبلنا. كما قال