رسول الله صلى الله عليه وسلم: إننا سنركب سنن من قبلنا. فقيل: اليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال: فمن إذا وهذا مما أنذر به رسول الله، فهو من معجزات نبوته وبراهينه عليه السلام، وهكذا قلدت هاتان الطائفتان أحبارهم وأساقفتهم فحملوهم على آرائهم.
قال أبو محمد: وتكلموا أيضا في معنى نسبوه إلى الاجماع، وهو أن يختلف المسلمون في مسألتين على أقوال، فيقوم برهان من النص على صحة أحد تلك الأقوال في المسألة الواحدة. فقال أبو سليمان: إنه برهان على صحة قولهم في المسألة الأخرى، وخالفه في ذلك ابنه أبو بكر وأبو الحسن بن المغلس وجمهور أصحابنا، وقول أبي سليمان في هذه المسألة خطأ لا خفاء به، لأنه قول بلا برهان ثم يجب لو صح هذا أن يكون صواب من أصحاب في مسألة برهانا على أنه مصيب في كل مسألة قالها، وهذا لا يخفى على أحد بطلانه، وما ندري كيف وقع لأبي سليمان هذا الوهم الظاهر الذي لا يشكل؟
وتكلموا أيضا في معنى نسبة هذا الاجماع وهو أن يصح إجماع الناس، على أن حكم أمر كذا كحكم أمر كذا، ثم اختلفوا فمن مانع لا من موجب، ومن مبيح لكليهما، أو من موجب حكما في كليهما، فقال برهان من النص على حكم ما جاء في إحدى المسألتين، فواجب أن يكون حكم الأخرى كحكمها لصحة الاجماع على أن حكمهما سواء.
قال أبو محمد: لو أمكن ضبط جميع أقوال علماء جميع أهل الاسلام، حتى لا يشذ منها شئ لكان هذا حكما صحيحا، ولكن لا سبيل لضبط ذلك البتة، وغير ما قدمنا مما لا يكون مسلما من لم يقل به، وحتى لو أمكن معرفة قول العالم، فقد كان يمكن رجوعه عن ذلك القول إذا ولى عنه السائل ليعرف قول غيره فوضح أنه لا سبيل البتة، ولا إمكان أصلا في حصر أقوال جميع علماء أهل الاسلام في فتيا خارجة عن الجملة التي ذكرنا.
قال أبو محمد: ونحن في غنى فائض ولله الحمد عن هذا التكلف. وفي مناديح رحبة في هذا التعسف بنصوص القرآن والسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا سبيل إلى وجود شرع لم ينص على حكمه والحمد لله رب العالمين.