ويمكن الاستدلال على القول المشهور (ان وجوب الاجتناب عن الملاقى مجعول مستقلا) بمفهوم قوله عليه السلام إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ فان مفهومه ان الماء إذا لم يبلغ حد الكر ينجسه بعض النجاسات، أي يجعله نجسا ومصداقا مستقلا منه، وظاهره ان الأعيان النجسة واسطة لثبوت النجاسة للماء فيصير الماء لأجل الملاقاة للنجس فردا من النجس مختصا بالجعل.
ويمكن ان يستدل أيضا بقوله: الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر أي حتى تعلم أنه صار قذرا بواسطة الملاقاة واعطف عليه ما دل من الروايات والفتاوى ان الماء والأرض والشمس مطهرات للأشياء، فان الظاهر منها ان الأشياء صارت نجسة فتطهر بالمذكورات. وبالجملة: لا اشكال في أن نجاسة الملاقى من ناحية نجاسة الأعيان النجسة التي يلاقيها لأجل السراية والسببية كما أن الظاهر منها كون الملاقي مختص بجعل آخر ووجوب مستقل.
ومن ذلك يعلم حكم الملاقى لاحد أطراف العلم الاجمالي فعلى القول الأول يجب الاجتناب لأجل تحصيل البراءة اليقينية عن الاشتغال اليقيني، للشك في حصول الامتثال، بالاجتناب عن الأطراف دون الملاقى، لان وجوب الاجتناب عن الملاقى على فرض نجاسة الملاقى (بالفتح) ليس وجوبا وتكليفا، مستقلا بل وجب الاجتناب عنه بنفس الوجوب المتعلق بالملاقى (بالفتح) فيجب الاجتناب عن الكل تحصيلا للبرائة، وعلى القول المختار فالحكم هو البراءة لكن على تفصيل سيوافيك بيانه.
الثاني: ان العلم بالملاقات قد يكون بعد العلم الاجمالي بنجاسة أحد الأطراف وقد يكون قبله، وقد يكون مقارنا له وعلى أي حال قد يكون الملاقى خارجا عن محل الابتلاء رأسا ولا يعود إليه، وقد يكون عائدا إليه بعد خروجه حين العلم بنجاسة الملاقى (بالكسر) أو الطرف، والأمثلة واضحة.
مقتضى الأصل العقلي في ملاقي الأطراف الثالث في بيان مقتضى الأصل العقلي في هذه الصور، قد اخترنا في الدورة