واما إذا كان التخيير استمراريا وكان المكلف فاعلا في واقعة وتاركا في أخرى فيتحقق موافقة قطعية، ومخالفة قطعية، و (بما) انه لا دليل على ترجيح الموافقة والمخالفة الاحتماليين على الموافقة والمخالفة القطعيين، فلا جرم لم يكن وجه للزوم كون التخيير بدئيا لا استمراريا، وترجيح الأولى بانتفاء المخالفة القطعية فيها، معارض بوجود المخالفة القطعية في الثاني.
واما ما افاده بعض أعاظم العصر (قدس سره) ما محصله: ان المخالفة القطعية لم تكن محرمة شرعا بل هي قبيحة عقلا، وقبحها فرع تنجز التكليف، فان مخالفة التكليف الغير المنجز لا قبح فيها، كما لو اضطر إلى أحد الأطراف المعلوم بالاجمال فصادف الواقع فإنه مع حصول المخالفة يكون المكلف معذورا، وليس ذلك الا لعدم تنجز التكليف وفيما نحن فيه لا يكون التكليف منجزا في كل واقعة لان في كل منها يكون الامر دائرا بين المحذورين، وكون الواقعة مما تتكرر لا يوجب تبدل المعلوم بالاجمال ولا خروج المورد عن الدوران بين المحذورين (انتهى كلامه).
ففيه: ان عدم تنجز التكليف في المقام ليس لقصور فيه ضرورة كونه تاما من جميع الجهات، وانما لم يتنجز لعدم قدرة المكلف على الموافقة القطعية ولا المخالفة القطعية بحيث لو فرضنا محالا امكان الموافقة القطعية يحكم العقل بلزومها، ولو فرض عدم امكان الموافقة القطعية لكن أمكن مخالفة القطعية يحكم بحرمتها، لتمامية التكليف.
و (بالجملة) التنجيز فيما نحن فيه فرع امكان المخالفة لا ان حرمة المخالفة فرع التنجيز، فإذا أمكن المخالفة يصير التكليف منجزا، لرفع المانع، وهو امتناع المخالفة القطعية والشاهد عليه انه لو فرضنا قدرة المكلف علي رفع النقيضين في الواقعة الواحدة يحكم العقل بحرمته، وليس ذلك الا لعدم القصور في ناحية التكليف، وانما