وأيضا ان البحث في المقام انما هو إذا كانت لفظة حتى للغاية مثل لفظة إلى، كما في قول الله عز شأنه كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر وقوله عز سلطانه ثم أتموا الصيام إلى الليل واما إذا كانت عاطفة كما في المثال الدائر اكلت السمكة حتى رأسها أو قدح الحاج حتى المشاة، مما ليست الكلمتان فيهما مستعملة في الغاية، فهي خارجة عن محط البحث قطعا، وبذلك يظهر ان ما افاده بعض محققي العصر في مقالاته من ظهور دخول مدخول حتى في المغيى في مثال السمكة غير صحيح نشاء من الخلط بين المضافضة والعاطفة، والبحث في الأول دون الثاني إذا عرفت ذلك فاعلم أنه اختار شيخنا الأستاذ قدس سره دخولها في المغيى فيما إذا كانت قيد للفعل كقوله سر من البصرة إلى الكوفة وعدم دخولها فيما إذا كانت غاية للحكم، والتحقيق عدم الدخول مطلقا، لان الكوفة لو كانت اسما لذلك الموضع المحصور بسورها وجدرانها وفرضنا ان المكلف سار من البصرة منتهيا سيره إلى جدرانها من دون ان يدخل جزء من الكوفة يصدق عليه انه اتى بالمأمور به وامتثل ويشهد على ما ذكرنا صدق قول القائل قرأت القرآن إلى سورة الإسراء إذا انتهى به القراءة إلى الاسراء ولم يقرء شيئا من تلك السورة وقس عليه نظائره وأشباهه، والظاهر أن ما ذكر في إلى جار في لفظ حتى إذا استعملت في انتهاء الغاية، فإذا قلت نمت البارحة حتى الصباح بالجر لا يفهم منه الا ما يفهم إذا أبدلته إلى قولك نمت البارحة إلى الصباح كما هو كذلك في قوله تعالى كلوا واشربوا حتى يتبين (الخ) نعم استعمالها في غير الغاية كثير ولعله صار منشأ للاشتباه حتى ادعى بعضهم فيها الاجماع على الدخول، في مفهوم الاستثناء ومن جملة ما يستفاد منه المفهوم الجملة المحفوفة بالاستثناء والكلام فيها يقع في مقامين (الأول) هل الاستثناء من النفي يدل على الاثبات ومن الاثبات يدل على النفي، (الظاهر) كما هو المشهور كذلك، للتبادر في اللغات التي نمارسها، والمخالف في المقام هو (أبو حنيفة) مستدلا بالأثر المشهور (لا صلاة الا بفاتحة الكتاب أو بطهور) فإنه على تقدير الدلالة يلزم أن يكون الصلاة المقرونة بها مع فقد سائر شرائطها، صلاة تامة (وأنت خبير) بان المتكلم في مقام بيان ان الفاتحة من اجزاء الصلاة بحيث تنتفى بانتفائها، ولا تثبت الا باثباتها، واما ان محقق الصلاة هي نفسها وحدها أو هي بانضمام شرائط أخرى فليس بصدد
(٣٦٦)