ثم إن الحاجبي عرف المنطوق بأنه ما دل عليه اللفظ في محل النطق، والمفهوم بأنه ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، ويمكن تطبيقه على كلا المسلكين اما على المسلك المنسوب إلى القدماء فبأن يقال إنه أراد من محل النطق، الدلالات اللفظية مطلقا وأراد من غيره دلالة اللفظ بما انه فعل اختياري للمتكلم على دخالته في موضوع الحكم فدل على الانتفاء عند الانتفاء واما على ما عليه المتأخرون بناء على استفادة المفهوم من اللفظ الموضوع فبأن يقال إنه، أراد من دلالته في محل النطق دلالة المطابقة أو هي مع التضمن، ومن دلالته لا في محله دلالة الالتزام (هذا) ولا يبعد أن يكون مراده الثاني فان ما يدل عليه اللفظ في محل النطق هو الدلالة المطابقية، أي ما هو موضوع، واما دلالته على اللازم فبواسطة دلالته على المعنى المطابقي فليس دلالته عليه في محل النطق فإذا قال المتكلم الشمس طالعة فالذي دل عليه لفظه في محل النطق هو طلوع الشمس لان لفظه قالب لهذا المعنى بحسب الوضع، واما وجود النهار فقد دل عليه لفظه أيضا مع عدم التنطق به و عدم الوضع له وبما ذكرنا يمكن استظهار ان المختار عند القدماء هو المختار عند المتأخرين وانه لا اختلاف بين المسلكين إذ من البعيد اتكائهم في استفادة المفهوم على صرف وجود القيد مع كونه ظاهر الفساد، فما نسب إلى القدماء محل شك بل منع كما سيجئ (ثم) ان كون المفهوم من صفات الدلالة أو المدلول ربما يكون بحسب الاعتبار والإضافة لان دلالة اللفظ على المعنى المطابقي دلالة منطوقية ودلالته على المعنى الالتزامي دلالة مفهومية كما أن المدلول اما منطوق يفهم من محل النطق أو مفهوم يفهم لا من محل النطق، وإن كان الأشبه هو الثاني (وليعلم) ان النزاع في المفهوم على مسلك المتأخرين نزاع صغروي لان محصل البحث يرجع إلى أنه هل للقضية الشرطية مفهوم وانها تدل على العلة المنحصرة أولا بحيث لو ثبت له للمفهوم لم يكن محيص عن كونه حجة، واما على رأى القدماء فربما يقال إنه كبروي لان المفهوم على هذا لما لم يكن في محل النطق وليس من المدلولات اللفظية (فح) يقع النزاع في أنه هل يمكن الاحتجاج عليه أولا يمكن: لأجل عدم التنطق به فإذا قال إذا جائك زيد فأكرمه يفهم منه انه إذا لم يجئ لا يجب الاكرام لكن لا يمكن الاحتجاج به على المتكلم بأنك قلت كذا، لأنه لو سئل عنه عن فائدة القيد، له ان يعتذر باعذار و (فيه) ان كون المفهوم مسلما وجوده في الكلام عند القدماء لا يناسب ظواهر
(٣٣٩)