بداية الوصول في شرح كفاية الأصول - الشيخ محمد طاهر آل الشيخ راضي - ج ٢ - الصفحة ٩٤
قلت: فيه أن الإرادة تتعلق بأمر متأخر استقبالي، كما تتعلق بأمر حالي، وهو أوضح من أن يخفى على عاقل فضلا عن فاضل، ضرورة أن تحمل المشاق في تحصيل المقدمات فيما إذا كان المقصود بعيد المسافة وكثير المؤونة ليس إلا لأجل تعلق إرادته به، وكونه مريدا له قاصدا إياه، لا يكاد يحمله على التحمل إلا ذلك (1) ولعل الذي أوقعه في الغلط ما
____________________
والفرق بين الإرادة التكوينية والتشريعية هي ان الأولى هي إرادة الفعل للفاعل نفسه: بان يريد فيفعل، والثانية هي إرادة الفعل من الغير، فكما لا يمكن تخلف المراد عن الإرادة التكوينية زمانا فكذلك لا يمكن تخلف المراد التشريعي عن الإرادة التشريعية زمانا، فكيف يعقل ان يكون الوجوب الذي هو الإرادة التشريعية والطلب من الغير متحققا في زمان لا يكون المطلوب فيه والمراد معقول التحقق؟ لوضوح اشتراط حصوله بزمان متأخر بحيث لو كان المكلف في تمام الانقياد والطاعة لا يعقل ان يتحقق منه الامتثال، والمفروض ان الإرادة التشريعية والطلب والبعث بإزاء الإرادة التكوينية وبعث الشخص نفسه إلى الفعل بحيث لو حلت محلها لعملت عملها، فعلى هذا لا يعقل ان يكون الوجوب حاليا والواجب استقباليا ولذا قال: ((فكما لا يكاد تكون الإرادة منفكة عن المراد)): أي إذا تم عدم معقولية انفكاك الإرادة التكوينية عن المراد التكويني ((فليكن الايجاب غير منفك عما يتعلق به)) لأن الايجاب هو الإرادة التشريعية التي هي بمنزلة الإرادة التكوينية ((فكيف يتعلق بأمر استقبالي)).
(1) توضيحه: ان الإرادة ليست هي الا الشوق المؤكد الذي يبعث المريد على تحصيل متعلق ارادته، ودون هذه المرتبة لا يسمى بالإرادة، فما لم يبلغ الشوق إلى حد يكون باعثا لصاحبه على تحصيل ما تعلقت به ارادته لا يسمى بالإرادة، لأن الإرادة هي الشوق المؤثر بالفعل، والشوق غير الباعث على تحصيل المراد ليس مؤثرا بالفعل فليس هو بإرادة لعدم بلوغه حد التأثير.
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 92 93 94 96 98 99 100 101 ... » »»
الفهرست