من ذلك كون الحكم المدلول عليه بالأقوى مظنونا ليكون خلافه حسب ما يقتضيه الخبر الآخر موهوما، إذ لا يجامع ذلك الشك في صدق الخبر الآخر أو ظن صدقه بالظن الأضعف، مع أنه يحصل الظن والشك المذكوران في غالب الحال.
فإن قلت: إذا كان أحد الخبرين أقوى من الآخر كان الظن الحاصل منه أقوى من الظن الحاصل من معارضه وإن تساويا في وجه الدلالة أيضا فضلا عما لو كانت الدلالة أقوى أيضا، فكيف يقال حينئذ بعدم حصول الظن من الأقوى؟
قلت: على فرض كون دلالته أيضا أقوى لا يلزم منه كون الحكم مظنونا بالنظر إلى الواقع فكيف لو تساويا فيها؟ وذلك لأن غاية ما يقتضيه قوة الإسناد كون الوثوق بصدور تلك الرواية أكثر من الوثوق بصدور الأخرى، وما يقتضيه قوة الدلالة كون إفادته لمضمونه أوضح وأقوى من إفادة الآخر، ولا يستلزم ذلك الظن بكون الحكم المدلول عليه هو المطابق للواقع، إذ قد يحتمل عنده وجود الصارف عنه احتمالا متساويا كما إذا كان الخبر الآخر مشتملا على مشترك دائر بين معنيين يكون حمله على أحدهما صارفا لهذه الرواية عن معناها، فإنه مع تساوي الاحتمالين هناك ولو مع الشك في صدوره عن الإمام (عليه السلام) بعد ملاحظة هذه الرواية المعارضة لا يعقل حصول الظن من الرواية القوية، لوضوح اقتضاء الظن بكون الشئ مطابقا للواقع كون ما يقابله موهوما، وهو لا يجامع الشك فيه حسب ما هو الحال في مقتضى الخبر الآخر.
فإن قلت: إذا كان الحكم الحاصل من الخبر المظنون الصدور أو الخبر الأقوى مشكوك المطابقة للواقع كان الحال فيه على نحو غيره من الخبر المشكوك المطابقة كالرواية الضعيفة أو الخبر الذي دونه في القوة فكيف يؤخذ به ويطرح الآخر مع تساويهما في ذلك؟
قلت: أي مانع من ذلك؟ بعد اختيار كون الحجية غير منوطة بمظنة إفادة الواقع كما هو المدعى، فإذا وجدت شرائط الحجية في خبر دون خبر اخذ به وإن شارك الآخر في عدم إفادة المظنة بالواقع في خصوص الواقعة.