التفهيم وبهذا التقرير اندفع ما أورد على الدليل بأنه إنما يدل على تيقن الإرادة لا على الوضع والجواب ان هذا إثبات اللغة بالترجيح العقلي وهو باطل لان طريقه منحصر في النقل اما صريحا محضا بالتواتر أو الآحاد أو بإعانة تصرف من العقل كما لو أستفيد من مقدمتين نقليتين وضع مثل عموم الجمع المحلى باللام فإنه ثبت بواسطة مقدمتين مستفادتين من النقل إحديهما ما ثبت من أهل اللغة جواز الاستثناء منه بأي فرد أمكن إرادته من الجمع واحتمل شموله له في كل موضع وثانيتهما ما ثبت ان الاستثناء هو اخراج ما لولاه لدخل ويحصل من ذلك أنه يجوز إخراج كل فرد من الجمع ثم العقل يحكم بأن الشئ ما لم يكن داخلا في شئ لا يمكن إخراجه منه فثبت أن جميع الافراد داخل فيه وهو معنى كونه موضوعا للعموم وهكذا وأما العقل المحص فلا مدخلية له في إثبات اللغات وأما التبادر وصحة السلب ونحوهما فإنما هي أدلة للفرق بين الحقيقة والمجاز لا لاثبات أصل الوضع ولا بأس بتوضيح المقام وإن كان خارجا عما نحن فيه لتنبيه الغافلين فنقول ان الوضع لا يثبت إلا بالنقل عن الواضع لبطلان مذهب عباد بن سليمان الصيمري وأصحاب التكسير من أن دلالة اللفظ على المعنى إنما نشأت من مناسبة ذاتية وإلا لتساوت المعاني بالنسبة إلى اللفظ فإما أن يكون هناك تخصيص وترجيح في الدلالة على المعنى أو لا فعلى الثاني يلزم التخصص من غير مخصص وعلى الأول التخصيص بلا مخصص وهما محالان والجواب إما بأن المرجح هو الإرادة إما من الله تعالى لو كان هو الواضع كخلق الحوادث في أوقاتها أو من الخلق لو كان هو الواضع كتخصيص الاعلام بالأشخاص أو بمنع انحصار المرجح فيما ذكروه لم لا يكون شخص آخر مثل سبق المعنى إلى الذهن من بين المعاني في غيره تعالى ومصلحة أخرى فيه تعالى مع أنه يدفعه الوضع للنقيضين والضدين واقتضاء اللفظ بالذات لذلك في وقت دون وقت أو شخص دون شخص مما لا معنى له لان الذاتي لا يتخلف ولذلك وجه السكاكي هذا المذهب وأوله بأن مراده أن الواضع لم يهمل المناسبة بين اللفظ والمعنى كما هو مذهب أهل الاشتقاق فذكروا أن الفصم بالفاء لكسر الشئ مع عدم الإبانة والقصم بالقاف له مع الإبانة للفرق بين الفاء والقاف في الشدة والرخاء كالقسمين من الكسر فثبت أن طريق ثبوت الوضع هو النقل لعدم إمكان حصول العلم به من جهة أخرى والمرجحات العقلية والمناسبات الذوقية مما لم يثبت جواز الاستناد إليها في إثبات الأشياء التوظيفية التوقيفية كالأحكام الشرعية الفرعية ولذلك لا يجوز إثباته بالقياس أيضا كما جوزه قوم من العامة فيما لو دار التسمية بالاسم مع معنى في المسمى وجودا وعدما كالخمر فإنها دائرة مع تخمير العقل وجودا وعدما فقبله عصير
(١٩٤)