التوهم يشبه بأن يكون إنما نشاء من بعضهم من جعل المفهوم نقيضا منطقيا للمنطوق وإن كان صدور مثل ذلك في غاية البعد من مثلهم بل ممن دونهم بمراتب لاختلاف الموضوع ولذلك يتصادقان أيضا والظاهر أن مراد من أطلق النقيض على المفهوم كفخر الدين الرازي إنما هو أن المفهوم رافع لحكم المنطوق فإن نقيض كل شئ دفعه والمراد رفع ذلك الحكم من غير الموضوع والحق هو ما فهمه الشيخ و صاحب المعالم فإن الحكم المخالف في جانب المفهوم إنما يستفاد من جهة القيد في المنطوق فكل قدر يثبت فيه القيد وتعلق به من أفراد الموضوع فيفهم انتفاء الحكم بالنسبة إلى ذلك القدر وإلا لبقي التعليق بالنسبة إليه بلا فايدة وما يقال من أن الفايدة تحصل في الجملة بثبوت المخالفة في الجملة فهو بمعزل عن التحقيق إذ يبقى التصريح بتعلقه بالجميع بلا فايدة فمفهوم قولنا كل غنم سائمة فيه الزكاة لا شئ من المعلوفة كذلك فإن وجوب الزكاة معلق على سوم كل غنم فيرتفع بمعلوفية كل غنم وما قيل إن ذلك لعله لعدم وجود أمر مشهور مشترك بين افراد المنطوق وبعض أفراد المسكوت عنه يعني أن جميع أفراد ما يؤكل لحمه مثلا يجوز الشرب والتوضأ من سؤره فنطق به في الكلام و إنما لم يشرك بعض الافراد الغير المأكول أيضا مع كونه شريكا للمنطوق لأجل عدم لفظ مشهور جامع لهما فيبقى بيانه إلى وقت الحاجة ففيه أنه لا ينحصر الإفادة في وجود اللفظ المشهور المشترك فقد يصح أن يقال مثلا كل حيوان يجوز التوضأ من سؤره إلا الكلب مثلا وكذلك في قوله كل غنم سائمة فيه الزكاة مع ثبوت الحكم لبعض المعلوفة أيضا يمكن أن يقال كل غنم فيه الزكاة إلا النوع الفلاني فلا ينقطع المناص حتى يلتزم تأخير البيان وغيره من الخزازات فلا بد للقيد من فايدة والمفروض أنه ليس إلا نفي الحكم عن غير محل النطق مع أن القول بكون استعمال القيد هنا لذلك لا لاخراج غير المقيد عن الحكم خروج عن مقتضى القول بحجية المفهوم إذ هو إما مبني على التبادر من اللفظ أو على لزوم خلو كلام الحكيم عن الفايدة لولاه كما تقدم وهو إنما يصح لو لم يكن هناك فائدة أخرى و أما ما ذكره بعضهم أن مفهوم قولنا بعض الغنم السائمة فيه الزكاة إلخ إن أراد به أن تكون السائمة صفة لبعض الغنم وبيانا له لا للغنم فقط كما هو المناسب لطريقة أهل الشرع فمفهومه أن ليس في البعض الاخر الذي هو المعلوفة زكاة ولا ما ذكره وإن أراد البعض الغير المعين بل يكون السائمة صفة للغنم لا للبعض كما هو الظاهر من كلامه وهو الموافق لطريقة أهل الميزان فحينئذ يتوجه الحكم نفيا وإثباتا إلى البعض فإنه القيد الأخير لا السوم والنفي والاثبات إنما يرجعان إلى القيد الأخير على التحقيق فمفهومه حينئذ أن البعض الاخر من السائمة ليس يجب فيه الزكاة وهذا مما يعز ويقل وروده في كلام
(١٨٥)