وقد استمرت الحاجة إلى علم الأصول تتسع وتشتد بقدر الابتعاد عن عصر النصوص، فبدأ الفقهاء يصنفون رسائل وكتبا في الأصول، وإن كانت في أكثر الأحيان تمتزج بمطالب القه وأصول الدين إلا أنها كانت تكشف عن تطور ملحوظ في معالم أصول الفقه وقواعده.
فكان من بين الرواد النوابغ من فقهائنا الذين أقبلوا على دراسة العناصر المشتركة في عمليات استنباط الأحكام الشرعية الحسن بن علي بن أبي عقيل، ومحمد بن أحمد بن الجنيد الإسكافي في القرن الرابع، ثم ألف بعد ذلك الشيخ المفيد المتوفى سنة 413 ه كتابا في الأصول وتبعه تلميذه السيد المرتضى فأفرد كتابا موسعا في الأصول سماه الذريعة وكذلك ألف سلار كتابا باسم التقريب في أصول الفقه ثم جاء دور الشيخ الفقيه المجدد محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460 ه حيث ألف كتاب عدة الأصول وانتقل علم الأصول على يده إلى دور جديد من النضج الفكري.
ولكن هذا التراث الضخم الشيخ الطوسي توقف عن النمو بعد وفاته طيلة قرن كامل لأسباب لا مجال لذكرها هنا، وكانت بداية خروج الفكر العلمي عن دور التوقف النسبي على يد الفقيه محمد بن أحمد بن إدريس المتوفى سنة 598 ه حيث صنف المحقق الحلي كتبا في الأصول منها كتاب نهج الوصول إلى معرفة الأصول ومعارج الأصول، وألف العلامة الحسن بن يوسف بن مطهر الحلي كتبا عديدة من قبيل تهذيب الوصول إلى علم الأصول، ومبادي الوصول إلى علم الأصول وغيرهما.
وقد ظل النمو العلمي في مجالات البحث الأصولي آخر القرن العاشر وكان الممثل الأساسي له في أواخر القرن هو الحسن بن زين الدين المتوفى سنة 1011 ه حيث ألف كتابه المشهور في الأصول معالم الدين وملاذ المجتهدين مثل فيه المستوى العالي لعلم الأصول في عصره بتعبير سهل وتنظيم جديد (1) ودقة في التعبير والاستدلال، والامر الذي جعل لهذا الكتاب شأنا كبيرا في عالم البحوث الأصولية حتى أصبح كتابا دراسيا في هذا العلم وتناوله العلماء بالتعليق والتوضيح والنقد (2).