منه وما اخرج منه وهو داخل فيه ذهب أبو عبد الله البصري وحكاه أبو الحسن الكرخي إلى ان قوله حرمت عليكم الميتة وما أشبههما من الآيات التي علق التحريم فيها بالأعيان مجمل وذهب أبو علي وأبو هاشم إلى ان ذلك مفهوم من ظاهره وليس بمجمل وان كان أبو هاشم ربما ذكر ان ذلك مجاز والصحيح هو القول الأخير وشبهة من ذهب إلى القول الأول هي ان قال ان ما (انما خ ل) يعلق التحريم من الافعال في الأعيان إذا لم يكن مذكورا في الظاهر لم يجز التعلق بظاهره فان ذلك يكون مجازا وجرى مجرى قوله واسئل القرية وأراد أهلها وهذا الذي ذكروه غير صحيح ولا شبهة فيه وذلك ان التحليل والتحريم وان استحال تعلقهما بالأعيان من حيث كانت موجودة كافية لا يصح وقوعها ولا هي في مقدورنا فيصح ان نتعبد بها وانما ينصرف إلى الفعل الذي يصح ان يقع منا فقد صار بعرف الشرح يستعمل في الأعيان ويراد به الافعال فيها وقد بينا فيما مضى ان الاسم إذا انتقل عن أصل الوضع إلى عرف الشرع وجب حمله على ما يقتضيه عرف الشرع لان ذلك صار حقيقة فيه الا ترى انه إذا قال حرمت عليكم أمهاتكم لا يسبق إلى فهم أحد تحريم الذوات وانما يفهم من ذلك تحريم الوطي والعقد لا غير ولا فرق بين من دفع وبين من دفع أن يكن لفظة الغايط منتقلا عما وضع له في اللغة ويتوصل بذلك إلى ان قول القايل اتيت الغايط لا ينبئ عن الحدث المخصوص والمعلوم خلاف ذلك وإذا ثبت ذلك صار لفظ التحريم إذا علق بالعين فهم منه تحريم الفعل فيها فصار كفحوى الخطاب الذي يدل على الشئ وان لم يتناوله لفظا ولا فرق بين من دفع الاستدلال بظاهر قوله حرمت عليكم الميتة على تحريم الفعل فيها وبين من دفع الاستدلال بقوله ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما على تحريم ضربهما وشتمهما وليس لهم ان يقولوا لو كان امره على ما ذهبتم إليه لما اختلفت فايدة مفهوم ذلك الا ترى ان قوله حرمت عليكم أمهاتكم التحريم يتناول هيهنا العقد والوطي وليس كذلك في قوله حرمت عليكم الميتة بل المراد هنا غير المراد هناك وذلك انه لا يمتنع ان يتعارف استعمال التحريم المعلق بالعين في أعيان مختلفة بحسب ما جرت العادة بفعلها في الأعيان ويتعارف عن تحريم الأمهات الاستمتاع ومن تحريم الميتة الاكل لان اللفظة الواحدة لا يمتنع ان يختلف المعقول بها بحسب اختلاف ما تعلق به الا ترى ان النظر بالعين لا يعقل منه ما يعقل من النظر بالقلب فلما جاز أن يختلف المعقول من النظر بحسب اختلاف ما تعلق به من العين والقلب فكذلك القول في التحريم وليس لاحد أن يقول إذا كان المحرم من الأمهات غير المحرم من الميتة علم ان اللفظ لا يفيد إذ لو افاده لاتفق ما يفيده في الموضعين أو يكون ذلك مجازا على ما مر (يمر خ ل) في كلام أبي هاشم وذلك ان الذي يقال في ذلك انه مجاز في اللغة وان كان حقيقة في العرف كما تقول في الغايط والدابة وما أشبههما وذهب قوم ممن تكلم في أصول الفقه إلى ان قوله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون الآية وقوله والذين يكنزون الذهب والفضة
(٨)