إذا كان الفعل مما يقع به التبين كما يقع بالقول فينبغي أن يجوز وقوعه الا ترى انه لا فرق بين أن يقول صلوا صلاة أوجبها الله عليكم ثم يبين صفتها وكيفيتها بالقول وبين أن يقوم فيصلى في انه يقع في الحالين التبين على حد واحد ولو قيل ان التبيين يقع بالفعل اكد مما يقع بالقول لكان ذلك سائغا ولاجل ذلك رجعت الصحابة في بيان صفة الوضوء إلى كيفية فعل النبي صلى الله عليه وآله فمن دفع وقوع البيان بالافعال كان مبعدا فلا فرق بين قوله في ذلك وبين من دفع ثبوت الاحكام بالافعال وفي ذلك خروج عن الاجماع فان قال أليس من حق بيان الكلام أن يكون متصلا به أو في حكم المتصل به ولا يصح في الفعل مع القول فكيف يصح أن يكون بيانا له قيل له لا نسلم أن من حق البيان أن يكون متصلا بالكلام على كل حال بل يجوز عندنا ان يتأخر البيان عن حال الخطاب إذا لم يكن الوقت وقت الحاجة على ما نبينه فعلى هذا يصح ان يتأخر البيان ويقع بالفعل ومتى فرضنا ان الوقت وقت الحاجة فذلك أيضا لا يمنع من وقوع البيان بالفعل الا ترى انه لا فرق بين أن يقول صلوا إذا زالت الشمس صلاة أوجبها الله عليكم فإذا زالت الشمس بينها وبين كيفيتها وصفاتها وبين أن يقوم عند الزوال فيصلى صلاة فانا نعلم به بيان تلك الصلاة بفعله كما نعلم بقوله لو بينها به وليس يلزم من حيث كان الفعل لا يقع الا في زمان ممتد ان يمنع ذلك من وقوع البيان به كما يمنع ذلك في القول لان البيان بالقول أيضا يمتد الزمان فيه كما يقع بالقول الذي لا يمتد الزمان فيه من وجيز الكلام فليس امتداد أحدهما الا كامتداد الاخر وان كان أحدهما أكثر والاخر أقل فان قيل كيف يعلم تعلق الفعل بالمبين حتى يعلم انه بيان له مع تجويز أن يكون ذلك الفعل وقع ابتداء لا بيانا لما تقدم في هذا ارتفاع التبيين به قيل له إذا خاطب بالمجمل ولم يكن الوقت وقت الحاجة جاز أن يقول اني أبين صفة ما أوجبت عليكم بالفعل فإذا جاء وقت الحاجة فعل فعلا يمكن أن يكون بيانا له فانا نعلم بذلك بيان ما خاطبنا به أولا وان كان الوقت وقت الحاجة ففعل عقيب الخطاب فعلا يمكن أن يكون بيانا له فانا نعلم به المراد ونعلم انه متعلق به لأنه لو لم يكن متعلقا به لكان قد أخلي خطابه من بيان مع الحاجة إليه وذلك لا يصح ولهذا قلنا انه لا فرق بين أن يقول صلوا صلاة الساعة ثم يتبعها بالقول وبين أن يقوم فيصلى عقيب هذا القول صلاة فانا نعلم تلك الصلاة بيانا لما قدم القول فيه ولا فرق بين الموضعين فان قيل إذا قلتم انه لا يمتنع ان يقول لنا إذا خاطبتكم بالمجمل وفعلت بعده فعلا فاعلموا انه بيان له فقد عدتم إلى ان البيان حصل بالقول ودون الفعل قيل له ليس الامر على ذلك بل البيان لا يقع الا بالفعل
(٦)