من الاياب (الآيات) التي ظهرت على يده ودل على وجه الاعجاز منها ثبت نبوته (ع) وإذا ثبت نبوته بطل قول من منع من النسخ سمعا وقول من انكر نبوته (ع) وإذا جاز ذلك عقلا وسمعا وكذلك يبطل بصحة نبوته (ع) قول من منع من النسخ عقلا غير انا نبين انما يدعونه من الشبهة العقلية باطل ليعلم بذلك ان الذي تعلقوا به غير صحيح وانه لو لم يثبت نبوة نبينا (ع) ولا نبوة أحد من الأنبياء عليهم السلام لكان ما ذكرناه جايزا سايغا وليس هذا موضع الكلام في النبوة وكنا ندل عليه وهو مذكور في كتب الأصول مستقصا والذي يدل على جواز النسخ من جهة العقل هو انه ثبت ان العبادات الشرعيات تابعة للمصالح و لكونها ألطافا في الواجبات العقلية ولولا ذلك لما وجبت على حال وانما قلنا ذلك لان الشئ لا يجب بايجاب موجب وانما يجب لصفة هو عليها يقتضى وجوب الشئ وانما يدل ايجاب الحكيم له على ان له صفة الوجوب لا بل يصير واجبا بايجابه لان ايجاب ما ليس له صفة الوجوب يجرى في القبح مجرى ايجاب الظلم والقبيح أو اباحتهما وقد علم قبح ذلك وإذا ثبت هذه الجملة فلا يخلو وجوب هذه العبادات ان يكون عقليا أو ما يدعيه من كونها مصالح وألطافا فلو كان وجه وجوبها عقليا لوجب أن يعلم بالعقل وجوب هذه العبادات كما علم وجوب جميع الواجبات العقلية من وجوب شكر المنعم ورد الوديعة وقضاء الدين والانصاف وغير ذلك لما كان وجه وجوب هذه الأشياء بيانا في العقل وقد علمنا انا لا نعلم بالعقل وجوب الصلاة ولا الزكاة ولا الصوم ولا غير ذلك من العبادات التي جاءت الشرايع بها بل لا يحسن فعلها بالعقل وإذا بطل أن يكون وجه وجوبها عقلا ثبت انها انما تجب لكونها ألطافا ومصالح وإذا ثبت ذلك فلا يمتنع ان تتغير المصالح فيصير ما كان داعيا إلى فعل الواجب صارفا عن فعله أو يصير داعيا إلى فعل القبيح وما يكون مصلحة لزيد لا تكون مصلحة لعمرو وما يكون مصلحة في وقت يصير مفسدة في وقت اخر وذلك يوجب النسخ والأقبح التكليف فان قيل ولم لا يجوز أن يكون وجه وجوب هذه العبادات هو ان لنا فيها ثوابا دون كونها ألطافا قيل له الشئ لا يجب من حيث كان فيه ثواب لأنه لو كان كذلك لكانت النوافل كلها واجبة ولم يكن فرق بينها وبين الواجبات فلابد من القول بما قلناه من انها انما وجب لكونها ألطافا وانما قلنا بذلك لان ما يقع عنده الواجب ولولاه لم يقع يجب كوجوبه لا محالة وقد ورد القران أيضا منبها على ما قلناه قال الله تعالى ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فبين انها انما وجبت من حيث كانت صارفة عن فعل القبيح وقال في تحريم الخمر انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فبين ان وجه قبحها كونها صادة عن ذكر الله وموقعة للعداوة والبغضاء وذلك يبين صحة ما قلناه فإذا صح ما قلناه حسن من الله تعالى ان يأمر بالحسن امرا مطلقا فإذا تغير وجه الحسن فيه إلى وجه القبح نهى عنه وذلك هو النسخ الذي قلناه
(٣٣)