ما يشاء ويثبت فأخبر انه يمحو ما يشاء فيجب أن يكون امره بالشئ ثم ازالته عنه بنهي أو غيره جايزا ومنها ان الله تعالى امر إبراهيم بذبح ولده ثم نسخ عنه قبل الذبح لأنه قال يا بني اني أرى في المنام اني أذبحك فانظر ماذا ترى ثم قال بعد ذلك وناديناه ان يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فمنعه من الذبح وفداه بذبح عظيم وهذا هو نسخ الشئ قبل وقت الفعل ومنها ما روى ان الله تعالى أوجب على نبينا (ع) ليلة المعراج خمسين صلاة ثم أزالها إلى خمس قبل وقت الفعل قالوا وقد صالح النبي (ع) قريشا على رد النساء ثم نسخه قبل وقت الفعل والجواب عن الأولى انه ليس في الآية انه يثبت ما محى ويمحو ما أثبت ولا يمتنع عندنا ان يمحو غير ما أثبت ويثبت غير ما محا فأي تعلق لهم بالظاهر وليس المراد بذلك النسخ لان ظاهره لا يقتضى ذلك وقد قيل انه يمحو ما يشاء مما يثبته الملك الموكل بالعبد في الصحيفة (في المباحات) ويثبت ما يشاء مما يستحق عليه ثواب أو عقاب وقد قيل في تأويله غير ذلك مما قد بين في التفاسير والجواب عما تعلقوا به ثانيا من امر الله تعالى إبراهيم (ع) بذبح ابنه فهو انه انما امر بمقدمات الذبح من الاضجاع واخذ الحديد وشد اليد والرجل وغير ذلك وقد يسمى مقدمة الشئ باسمه كما يسمى المريض المدنف بأنه ميت فجاز أن يقول انى أرى في المنام اني أذبحك ومراده ما قلناه ويدل على صحة ذلك ما قدمناه من دليل العقل في انه لا يجوز أن يأمر بالشئ ثم ينسخه قبل وقت فعله ويدل عليه أيضا قوله قد صدقت الرؤيا فلو كان المراد به الذبح على الحقيقة لكان لا يكون مصدقا ولما ذبح فدل على أن المأمور ما قدمناه وليس لاحد أن يقول إذا كان الذبح غير مأمور به فكيف يقول للذبيح فانظر ماذا ترى وهذا كلام جزع وكيف قال ان هذا لهو البلاء المبين ومقدمة الذبح ليس فيها كل ذلك وكيف فدى بذبح عظيم وليس المأمور به الذبح و ذلك ان إبراهيم (ع) لما امر بمقدمات الذبح وكان في العادة ان مثل ذلك يراد للذبح ظن انه سيؤمر بالذبح فلذلك قال ما قال واما الفداء فلا يمتنع أن يكون ذبحا ويكون فداء عن الذي ظن انه يؤمر به من الذبح أو عن مقدمة الذبح لان الفداء لا يجب أن يكون من جنس ما فدى به الا ترى ان الهدى يفدى به حلق الرأس وان لم يكن من جنسه وقال قوم انه امر بالذبح على الحقيقة وانه كان يذبح ثم كان يلتحم ما ذبح إذا تجاوز موضع الذبح فإذا قد فعل ما امر به ولم يسقط عنه وهذا قريب والأول أقوى فاما من قال انه جعل صفحة عنقه نحاسا فامتنع الذبح عليه فلا يصح لأنه يقتضى الامر بما يمنع منه وذلك قبيح لا يجوز على الله تعالى على ما قدمنا القول فيه والجواب عما تعلقوا به ثالثا من الخبر فأول ما فيه انه خبر واحد ولا يجوز أن يتعلق بمثله فيما طريقه العلم به على انه فاسد من وجوه منها أن يوجب نسخ الشئ قبل أن يعلم المكلف انه مأمور به لأنه في الحديث انه نسخ عنهم ذلك تلك الليلة ومنها انه يوجب نسخ الشئ وعنهم من حيث أشار به
(٣٩)