وليس لهم أن يقولوا: إذا صح الانتفاع بها من الوجهين بالاستدلال والتناول فينبغي ان يقصد به الوجهين.
وذلك أن هذا محض الدعوى لا برهان عليها بل الذي يحتاج إليه ان يعلم أنه لم يخلقها الا بوجه، فاما أن يقصد بها جميع الوجوه التي يصح الانتفاع بها لا يجب ذلك.
على انا قد بينا انه لا يمتنع ان يفرض في أحد الوجهين مفسدة في الدين فيحسن أن يخلقها للوجه الاخر، ويعلمنا ان فيها فساد الدين (1) ومتى تناولناها، فيجب علينا أن نمتنع منها.
فان قيل: إذا أمكن خلقها للوجهين، ولم يقصدهما كان عبثا من الوجه الذي لم يقصد الانتفاع به، وجرى ذلك مجرى فعلين يقصد بهما الانتفاع ولا يقصد بالآخر ذلك، فيكون ذلك عبثا.
قيل له: ليس الامر على ذلك، لان الفعل الواحد إذا كان فيه وجه من وجوه الحكمة خرج من باب العبث، وان كان له وجوه اخر كان يجوز ان يقصد، وليس كذلك الفعلان لأنه إذا قصد وجه الحكمة في أحدهما بقى الاخر خاليا من ذلك وكان عبثا، وليس كذلك الفعل الواحد على ما بيناه.
فان قيل: الانتفاع بالاعتبار بالطعوم لا يمكن الا بعد تناولها، لان الطعم ليس مما يدرك بالعين فينتفع به من هذه الجهة، فإذا لابد من تناوله حتى يصح الاعتبار به.
قيل: الاعتبار يمكن بتناول القليل منه وهو قدر ما يمسك الرمق وتبقى معه الحياة، وقد بينا ان ذلك القدر في حكم المباح، وليس الاعتبار موقوفا على تناول شئ كثير من ذلك.
ويمكن أن يقال أيضا: انه يصح أن يعتبر بها إذا تناولها غير المكلف من سائر أجناس الحيوان، فإنه إذا شاهد أجناس الحيوان تتناول تلك الأشياء ويصلح عليها