قيل له: اما التنفس في الهواء، فالانسان ملجاء إليه مضطر، وما يكون ذلك حكمه فهو خارج عن حد التكليف، فان فرضتموه فيما زاد على قدر الحاجة فلا نسلم ذلك، بل ربما كان قبيحا على جهة القطع، لأنه عبث لا فائدة فيه ولا نفع في ذلك يعقل.
واما أحوال النظر فمستثناة أيضا، لأنه في تلك الأحوال ليس بمكلف أن يعلم حسن هذه الأشياء ولا قبحها، لأنه لا طريق له إلى ذلك، وانما يمكنه ذلك إذا عرف الله تعالى بجميع صفاته، وانه ينبغي أن يعلمنا مصالحنا ومفاسدنا، وإذا علم جميع ذلك حينئذ تعلق فرضه بأن يعلم هذه الأشياء هل على الحظر أو على الإباحة؟
وفي الأحوال لا يجوز له أن يقدم الا على قدر ما يمسك رمقه ويقوم به حياته.
ومن (1) أصحابنا من قال: ان في هذه الأحوال لابد من أن يعلم الله تعالى ذلك بسمع ببعثه إليه فيعلمه ان ذلك مفسدة يتجنبه، أو مصلحة يجب عليه فعله، أو مباح يجوز له تناوله.
وعلى ما قررته من الدليل لا يجب ذلك، لأنه إذا فرضنا تعلق المصلحة والمفسدة بحال المكلف لم يمتنع أن يدوم ذلك زمانا كثيرا، ويكون فرضه فيه كله الوقف والشك والاقتصار على قدر ما يمسك رمقه وحياته.
وهذا الدليل الذي ذكرناه هو المعتمد في هذا الباب.
والذي يلي ذلك في القوة أن يقال: إذا فقدنا الدلالة على حظر هذه الأشياء وعلى اباحتها، وجب التوقف فيها وتجويز كل واحد من الامرين، وليس يلزمنا أكثر من أن نبين ان ما تعلق به كل واحد من الفريقين ليس بدليل في هذا الباب.
فما استدل به من قال إن الأشياء على الحظر قطعا ان قالوا: قد علمنا أن هذه الأشياء لها مالك، ولا يجوز لنا ان نتصرف في ملك الغير الا باذنه، كما علمنا قبح التصرف فيما لا نملكه في الشاهد.
واعترض القائلون بالإباحة هذه الطريقة بان قالوا: انما قبح في الشاهد التصرف