واستدل كثير من الفقهاء على أن الأشياء ليست على الحظر (١) أو الوقف بقوله تعالى:
(وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) (٢) وبقوله: ﴿لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل﴾ (3).
فقالوا: بين الله تعالى انه لا يستحق أحد العقاب، ولا يكون لله عليهم حجة الا بعد انفاذ الرسل، وذلك يفيد ان من جهتهم يعلم حسن هذه الأشياء أو قبحها.
وهذا لا يصح الاستدلال به من وجوه:
أحدها: ان هاهنا أمورا كثيرة معلومة من جهة العقل وجوبها وقبحها، مثل رد الوديعة، وشكر المنعم والانصاف، وقضاء الدين، وقبح الظلم، والعبث، والكذب، والجهل، وحسن الاحسان الخالص، وغير ذلك، فعلمنا انه ليس المراد بالآية ما ذكروه.
ومتى ارتكبوا دفع كون هذه الأشياء معلومة الا بالسمع، علم بطلان قولهم، وكانت المسألة خارجة عن هذا الباب.
ومنها: ان لله حججا كثيرة غير الرسل من أدلة العقل الدالة على توحيده، وعدله، وجميع صفاته التي من لا يعرفها لا يصح أن يعرف صحة السمع، فكيف يقال:
لا تقوم الحجة الا بعد انفاذ الرسل؟ والمعني في الآيتين ان يحملا على أنه إذا كان المعلوم ان لهم ألطافا ومصالح لا يعلمونها الا بالسمع، وجب على القديم تعالى اعلامهم إياها، ولم يحسن ان يعاقبهم على تركها الا بعد تعريفهم إياها، فلم تقم الحجة عليهم الا بعد انفاذ الرسل، ومتى كان الامر على ذلك وجبت بعثة الرسل، لأنه لا يمكن معرفة هذه الأشياء الا من جهتهم.
واستدل من قال: ان هذه الأشياء على الإباحة بأن قالوا: نحن نعلم ضرورة ان