عدة الأصول (ط.ج) - الشيخ الطوسي - ج ٢ - الصفحة ٦٩٩
فاما قوله: " ان كان خطأ فمني " (1) فيمكن لما أن يكون لأنه جوز أن يكون هناك ما هو أولى من الظاهر من دليل يخص، أو رواية تقتضيه من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مثل ما سئل منه يخالف قضيته، أو غير ذلك مما يكون العدول إليه أولى.
على أنهم يقولون: " كل مجتهد مصيب "، فيلزمهم السؤال عن قوله: " أن كان خطأ فمني "، وكيف نسب نفسه إلى الخطأ وهو مجتهد؟
فلا بد لهم من الرجوع إلى تجويزه على نفسه التقصير في طلب خبر لو استقصى لظفر به، وما جرى مجرى ذلك.
ومتى تأملت جميع المسائل التي حكي عنهم إضافة القول فيها إلى رأيهم وجدت لها مخرجا في الظواهر وطرقا تخالف القياس!
فاما قولهم: " ولو كان رجوعهم في ذلك إلى طرق العلم لما صح منهم الرجوع من رأى إلى اخر، ولا التوقف فيه، وتجويز كونه خطأ وصوابا ". فمن بعيد ما يقال، وذلك أن الرجوع عن المذاهب وأدلتها لا يدل على القول فيها بالقياس والظن، لان ذلك قد يصح فيما طريقه العلم والأدلة، الا ترى ان القائل بالجبر قد يعدل عنه إلى العدل، وكذلك قد يعدل عن القطع على عقاب الفساق من أهل القبلة إلى القول بالارجاء (2)، وسائر مسائل الأصول ذلك ممن فيها، فليس التنقل من رأى إلى اخر

(1) راجع المصادر الواردة في هامش رقم (2) صفحة 666.
(2) الارجاء اما ان يكون مشتقا من الرجاء بمعنى الامل، أو من الارجاء بمعنى التأخير، والمرجئة فرقة قالت:
لا يضر مع الايمان معصية، ولا ينفع مع الكفر طاعة، وان الايمان قول بلا عمل، فكأنهم قدموا الايمان وأرجئوا العمل، وخلاصة القول: انهم يذهبون إلى أن أصحاب الكبائر إذا ماتوا غير تائبين فإن حساب أعمالهم مرجو ومؤخر ليوم القيامة، وانهم لا يحكمون عليهم بالنعوت والصفات في الدنيا، فلا يحكمون عليهم بالفسق، أو الكفر، وانهم مؤمنون أو فاسقون، أو فاسق، أو من أهل النار، والجنة، بل يرجئونه إلى الآخرة. والمرجئة على أصناف وفرق عديدة. وقد اختلف أرباب الملل والنحل في مبدع هذه الفكرة، والرأي السائد عند المحققين أنها من الفرق التي أبدعتها السياسة الأموية لتبرئة جرائمها ولابعاد الناس عن توصيفهم بالفسق والكفر بعد ما شاهدوا منهم الجرائم والموبقات، ولآراء المرجئة تأثيرات كبيرة بعيدة المدى في أصول الدين عند المذاهب السنية لا زالت باقية.
(٦٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 694 695 696 697 698 699 700 701 702 703 704 ... » »»
الفهرست