واما (1) النبوة فقد كان يصح أن يعلم باجماع الأمة الذين قول المعصوم داخل في جملتها، لان ذلك [لا] يفتقر (2) إلى العلم بالنبوة، لأنا إذا علمنا أن الله تعالى حكيم وعدل لابد أن نعلم أنه يزيح علة المكلفين في التكليف بنصب رئيس معصوم لهم ليكونوا متمكنين مزاحي العلة فيما كلفوه، فإذا علمنا ذلك، وأجمعوا على نبوة شخص، يعلم باجماعهم نبوته.
فان قيل: كيف يصح هذا القول والامام عينه الا بنص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لان الله تعالى يعلمه ذلك بالوحي والامام لا يوحى إليه، فيعلم انه امام، فكيف يدعى انه امام، وكيف يعلم صحة دعواه؟
قيل له: اما العلم بكونه إماما، فقد يحصل لنا العلم المعجز الذي يظهره الله تعالى على يده، يتضمن تصديقه فيما يدعيه ويدعى هو انه الامام المعصوم الذي لا يخلو الزمان منه، واظهار المعجزات يجوز عندنا على الأئمة والصالحين أيضا، وقد دللنا على ذلك في كتاب " تلخيص الشافعي " (3).
فأما الامام نفسه فإنما يعلم كونه إماما - إذا كان ممن لا يوحى إليه على ما (4) في السؤال - بقول نبي يتقدمه، ثم ينص هو على من بعده، وكذلك في مستقبل الأوقات، فإذا اجمعوا على قول كان معصوم العصر فيه على نبوة نبي آخر علم صحة نبوته، ولا يحتاج إلى علم معجز، بل كان ذلك كافيا في العلم بصدقة.
وقد يجوز أن يكون الامام الأول نبيا، لأنه لا تنافى بين المنزلتين، بل يصح اجتماعهما، وإذا جاز ذلك فإذا فرضنا ان أول الأئمة نبي جاز أن يعلم امامة من بعده، وكذلك نبوة من يأتي في المستقبل بنص عليه أو باعتبار الاجماع الذي يدخل فيهم.
فان قيل: هذا القول يؤدى إلى أن العقل لا ينفك من السمع، لأنه إذا كان لابد